أسامة غريب
أسماء البشر تتغير تبعاً للموضة، وتؤثر فى هذه الموضة عوامل سياسية واجتماعية. ومن هذه العوامل انتقالهم من طبقة لأخرى، وقد رأينا فى فيلم «لعبة الست» مثالاً كوميدياً واضحاً عندما انتقلت تحية كاريوكا من الفقر إلى الثراء، فغيرت اسمها من لعبة إلى فاتينيتسا!
ويلعب الملل دوراً أساسياً فى إحداث التغيير الذى يطال الأسماء بعدما تشيع وتصبح مبتذلة.
أسماء البشر فى الغالب مستقاة من البيئة وقد تستخدم للتعبير عن الهوية، وقد أخذ المصريون كثيراً من أسماء الغزاة الذين تتابعوا على حكم البلاد، وانتهى بهم المطاف فى القرن العشرين إلى استعارة الأسماء التركية واستعمالها بكثافة سواء حنيناً إلى الحكم العثمانى الذى سقطت دولته، أو احتفاء بأبطال جمعية الاتحاد والترقى بزعامة مصطفى كمال أتاتورك التى قضت على الخلافة وأنشأت تركيا الحديثة. كانت أسماء المصريين فى مجملها هى الأسماء الواردة من اسطنبول والتى لا يعرفها العرب القدماء، رغم أنها عربية الجرس والمعنى.. مثال ذلك أسماء رسمى ونظمى وفهمى ولمعى وحلمى ومجدى ورفقى ووفقى، أو أسماء مثل حكمت وحشمت وقسمت وعصمت وشوكت وشهرت وبهجت، أو سامى وناجى وراجى وشكيب ونجيب وحبيب ومجيب.
وعندما أتذكر أسماء أصدقاء الطفولة وزملاء المدرسة أكتشف أن المصريين بمسلميهم ومسيحييهم فى زمن الوحدة الوطنية والمد القومى قد قرروا بدون اتفاق أن يقتربوا من بعضهم البعض، وقد وجدوا فى الأسماء التركية حلاً عبقرياً، وكان زملائى فى الفصل هم أنور ومدحت وعادل وماجد ونبيل وسامى ونادية وماجدة وميرفت وليلى وسهير.. والأسماء السابقة هى أسماء أصدقائى المسيحيين الذين شاركوا فيها إخوتهم المسلمين، وبطبيعة الحال لم يتوقف المصريون عن تسمية أبنائهم بأسماء الرسل والصحابة والقديسين، لكن كانت للأسماء التركية الغلبة فى الشارع المصرى، خصوصاً بين المسيحيين الذين أرادوا، ربما دون وعى، أن يثبتوا لشركاء الوطن أنهم معهم قلباً وقالباً.
لكن مع مطلع السبعينيات وانكسار الحركات القومية، مع ما صاحب هذا من صعود الإسلام السياسى وبزوغ شيوع مظاهر التدين، أقبل الناس على الأسماء العربية القديمة، وبالذات ما كان منها خاصاً بالصحابة والمسلمين الأوائل مثل لؤى وصهيب وحذيفة وعمار وميسرة وزيد وسلمان وبلال. والحقيقة أن رد الأقباط لم يتأخر، فرأيناهم يلوذون بأسماء القديسين والأسماء الأجنبية، فأصبح المسيحى المصرى هو مارك ومايكل ومينا وبيشوى ورومانى وأنطون وجورج أو كارولين وماريان وليليان وفيفيان وناتالى.. وكان هذا أحد الدلائل المهمة على ما صارت إليه الوحدة الوطنية التى فقدت حقيقتها، وأصبحت تظهر على التليفزيون فقط فى صورة قسيس وشيخ يتبادلان أحضاناً ميكانيكية سخيفة!
"المصري اليوم"