مصر اليوم
لم يكذب أو يبالغ رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي عندما أطلق تصريحه الشهير بأنهم نجحوا من خلال الرئيس المخلوع في إلحاق الأذى بمصر، لدرجة تجعل أي شخص يأتي بعد مبارك في الحكم يعجز عن إصلاح أو ترميم الخراب الذي وقع، مهما بلغت كفاءته وحسنت نواياه.يمكننا اليوم ان نلاحظ ان هذه المقولة تبدو واضحة من خلال أداء القوى السياسية الموجودة بالحكم أو بالمعارضة.. انعدام الكفاءة وغياب الرشد هو ما يميز الجميع، فالاخوان المسلمون الذين يتولون الحكم يتخبطون في قرارت عشوائية لا يبدو أنها نتاج عقل سياسي واع، ويعجزون عن تقديم رؤية واضحة للإصلاح أو تبنّي استراتيجية متماسكة للنهوض بمصر.أما المعارضة فحدث ولا حرج..ينطبق هذا على فصيليها الديني والمدني، فالنظر الى أداء الأحزاب السلفية التي خرجت بعد الثورة يدعو للدهشة والعجب، فبدلاً من ان يستغلوا الحالة المتردية للفصيل الحاكم في طرح برنامج مضاد والعمل وسط الناس لنيل تأييدهم، فانهم شرعوا في تبديد الوقت والجهد في قضايا سخيفة مثل التفرغ لمحاربة التقارب المصري الايراني والتحذير من خطر السياحة الايرانية.. وهذا في حقيقته يدل على خواء عقلي سياسي لأن الأمور السياسية والعلاقات بين الدول لا يُنظر اليها من منظور عقائدي، والا لكان الأولى ان نقاطع البلدان الغربية التي ترسل -حقيقة لا تخريفاً- بعثات تبشيرية الى بلادنا لنشر الكاثوليكية والبروستانتية في أوساط المسلمين والأقباط الفقراء، وهي أيضاَ التي تقتل المسلمين في العراق وأفغانستان وغيرهما..وكان الأولى ان نقاطع السياحة الروسية التي نشرت –حقيقة لا تخريفاً- العهر من خلال علب الليل التي استقدمت الروسيات الحسناوات بغرض الدعارة..وكان الأولى ان نحارب السياحة الإسرائيلية التي تعمل –حقيقة لا تخريفاً- على نشر الايدز والخراب وتجتاح سيناء بواسطة عملاء الموساد بغرض التجسس ونشر الفتن دون ان يكون لسياحتهم عائد مادي ولو بسيطاً، حيث من المعروف ان الإسرائيليين يأتون ومعهم طعامهم وشرابهم، ومعظمهم يبيت في العراء داخل حقيبة جلدية مخصصة للنوم!.لكن المعارضين من الأحزاب السلفية يتركون هذا كله ويتركون الأزمات الحقيقية التي تعصف بالوطن ويوجهون طاقتهم السياسية لصالح قضية وهمية هي ان العلاقات العادية مع ايران تحمل خطراً ماحقاً وسوف تجعل المصريين يتشيعون!
أما المعارضة المدنية فلا تقل سفهاً وان في اتجاه آخر، فهي لا تقدم بديلاً يطمئن الناس اليه ولا تحمل رؤية تدفع للثقة بها، وكل ما لديها هو مكايدة الاخوان والدخول معهم في مواجهة مفتوحة دون حدود أو روادع أخلاقية..مواجهة يستخدم فيها الطرفان كل أسلحة الكذب والغدر والخديعة وكافة أساليب الاغتيال المعنوي..و للأسف فان المعارضة المدنية يعترف قادتها وأفرادها بأنهم يمارسون الكذب والافتراء بحق الاخوان على أوسع نطاق مستخدمين وسائل الاعلام والاتصال الجماهيري، ويتحججون في ذلك بأنهم بازاء عدو شرس يمارس نفس الأساليب ويلجأ لذات الوسائل غير الشريفة في التلفيق وايذاء الخصوم!..يقولون هذا وكأنهم يتخذون من سلوك الاخوان في التشويه وقلب الحقائق هادياً ونبراساً ومعلماً يتعلمون منه ويسيرون على نهجه!.
وهكذا تتلظى مصر على جمر النار ما بين سلطة حاكمة لا تملك خيالاً أو قدرات سياسية ترفع بها تلال الأنقاض والخرائب التي تركها مبارك قبل ان تشرع في البناء..و بين معارضة شقها الديني مشغول بوهم المد الشيعي وشقها المدني مشغول بالتفوق على الاخوان في مَن يستطيع ان يكذب أكثر!
نقلاً عن جريدة "الوطن"