طارق الحميد
بعد عقود من الحرب والدمار، وكل هذه الدماء والخراب، ناهيك عن ضياع الفرص، وحفلات التخوين في الصراع العربي الإسرائيلي، يخرج عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق ليقول إن التفاوض مع إسرائيل «ليس محرما شرعا»!
تصريحات أبو مرزوق هذه لم تنسبها له صحيفة ليتهرب منها لاحقا، ويقول إنها أخرجت من سياقها، بل إنها جاءت في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه فضائية «القدس» المقربة لحماس حيث قال فيها أبو مرزوق: «كما نفاوض بالسلاح يمكن أن نفاوض بالكلام»، مضيفا: «سياستنا في حركة حماس ألا نفاوض الاحتلال لكن على الآخرين أن يدركوا أن هذه المسألة ليست محرمة». مع قوله «أعتقد أنه إذا بقي الحال على ما هو عليه في الوضع الحالي قد تجد حركة حماس نفسها مضطرة إلى هذا السلوك، فهذا أصبح مطلبا شعبيا في كل قطاع غزة»!
حسنا، هل هذا اعتذار ضمني من قبل قيادي حماس أبو مرزوق عن كل ما قيل بحق مصر، والراحل أنور السادات؟ أو ما قيل بحق ياسر عرفات؟ وعن كل ما قيل بحق العرب الداعين للتفاوض؟ وهل هذا اعتذار أيضا عن كل ما قيل بحق المبادرة العربية؟ وهل هو اعتذار لكل الدماء الفلسطينية التي سالت بلا مبرر، واعتذار عن الدمار الذي تسببت به «المقاومة» المزعومة؟ هناك أسئلة كثيرة، وأهمها: من أين أتت هذه الحكمة المفاجئة لقيادي حماس؟ هل هي محاولة للحاق بالركب بعد انتهاء الأسد، وهرولة إيران للتفاوض مع أميركا، وعودة مصر؟ أم هي محاولة لامتصاص غضب أهل غزة؟
ولذا فإن الأسئلة كثيرة جدا حول تصريحات أبو مرزوق التي حاولت حماس التنصل منها بالقول إن موقفها ثابت، وهذه لعبة تعودناها من حماس، وكل من هم محسوبون على الإخوان المسلمين في المنطقة، حيث يقولون أمرا ويفعلون عكسه، وتجد لهم أكثر من تصريح في نفس الموقف، وكلها محاولات لتهدئة الأتباع، وإرباك الخصوم، وفي النهاية التنصل مما لا يريدونه، وهذا ما فعلته حماس مطولا في علاقتها مع فتح، ومصر، وكذلك إيران، والأسد، وهذا ما فعله الإخوان المسلمون في مصر، وخصوصا عندما تعهدوا بأنهم لن يقدموا مرشحا للرئاسة ثم انقضوا على كل شيء، وقبل أن يجري إسقاط مرسي.
وعليه فإن الأهم الآن هو أن تصريحات أبو مرزوق هذه لا تقدم ولا تؤخر، بل إنها تدين الحركة الإخوانية، وهو ما يجب أن يتنبه له الأتباع، فالتفاوض مع إسرائيل ليس بالمحرم، ولم يكن يوما من الأيام، بل إن التحريم كان لعبة استخدمت تارة باسم العروبة لتحقيق أهداف، كما استخدمت مرة أخرى باسم الدين لتحقيق أهداف، وها هي حماس الآن تقول إن التفاوض ليس محرما شرعا، وبالتأكيد أن لهذا التصريح أهدافا أيضا، ومن هنا فإن السؤال الحيوي هو: إلى متى تترك دولنا، ومصائرنا، لعبة بأيدي أحزاب وتنظيمات أهدافها خارجية، ومصالحها ضيقة؟