توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ابتذال القوة الناعمة وهزيمتنا الكرويّة والحضاريّة

  مصر اليوم -

ابتذال القوة الناعمة وهزيمتنا الكرويّة والحضاريّة

بقلم - طارق أبو العينين

 الاستقطاب من دون إكراه هو أكثر التعريفات إيجازاً لمفهوم القوة الناعمة، الذي ذاع صيته وشاع استخدامه في الخطاب التحليلي العربي والغربي المعاصر. فالمفهوم منذ أن صاغه جوزيف ناي في كتابه «الطبيعة المتغيرة للقوى الأميركية» عام 1990، ثم عاد بعد ذلك وطوّره عام 2004 في كتابه «القوة الناعمة وسائل النجاح في السياسة الدولية»، يعني امتلاك الدولة القدرة على التأثير في محيطها الإقليمي والدولي من خلال قوتها الروحية والمعنوية، وما تجسّده من أخلاق ومبادئ وأفكار، ومن خلال دعمها حقوق الإنسان ومختلف مجالات الإبداع الفني والثقافي، بما يجعلها نموذجاً يحتذى. ولعل الظرف أصبح ملائماً الآن بعد هزيمة الفريق الكروي المصري للحديث عن أزمة القوة الناعمة المصرية، خصوصاً أنه جرى في الفترة التي سبقت مشاركة الفريق في المنافسات التمهيدية لتحويله إلى معادل موضوعي لمفهوم القوة الناعمة، لا سيما بعد صعوده إلى كأس العالم والنجاح اللافت لتجربة احتراف مهاجمه محمد صلاح. فانتهى الأمر بمشهد مأسوي بائس اتضحت ملامح الأولى بجلاء في حال الفوضى العارمة التي ضربت معسكر اللاعبين قبل مباراة روسيا، بفعل اقتحام نجوم الفن له باعتبارهم الجناح الثاني لقوتنا الناعمة بمفهومها المصري المعاصر.

اللافت في الأمر برمته، أن ما جرى يعد في محصلته النهائية ابتذالاً لمفهوم القوة الناعمة، فالتكثيف الإعلامي على طوائف مهنية ومجتمعية هشّة فكرياً وثقافياً مثل لاعبي الكرة والفنانين واختزال المفهوم فيهم دون سواهم كحل جاهز لمواجهة حالة التفريغ الثقافي والحضاري الجارية في مصر بفعل تضافر عوامل سياسية واقتصادية ومجتمعية عدة، قد عكس في نهاية الأمر حجم الأزمة الطاحنة التي نعيشها على المستوى الحضاري قبل الرياضي بفعل ثلاث إشكاليات تتعلق بمضمون المفهوم وتجلياته على أرض الواقع.

الإشكالية الأولى هي ماضويته، بمعنى أن مصر باتت ترتكن على رأسمالها التاريخي بأكثر ما ترتكن على منجزها الواقعي. فقدرة مصر على التأثير ترتكز ثقافياً على منجز أجيال قديمة وراحلة من الفنانين والمثقفين والمبدعين الحقيقيين الذي أثروا حياتها الفكرية والفنية خلال المئة عام الماضية، سواء إبان عقدي الثلاثينات والأربعينات أو المرحلة التي تلت ثورة 1952 مباشرة. كما أنها ترتكز حضارياً على فكرة توافر مقومات الدولة ذات الحضارة في مصر الفرعونية قبل أن يعرف العالم مفهومي الدولة والحضارة.

ما ترتّب عليه الإشكالية الثانية التي تتمثل في المنطق التاريخاني والكامن للطبعة المصرية من المفهوم. فالروح الحضارية المصرية الكامنة قادرة يقيناً على الانتفاض وإثبات ذاتها في مواجهة الآخرين، على رغم تضافر عوامل التراجع الحضاري، كتدني مستوى التعليم وشيوع الثقافة العشوائية والخرافية والنفعية وعدم تقدير قيمتي العلم والمعرفة، على اعتبار أن تلك الروح الحضارية الكامنة تعد قانوناً تاريخياً يشكل الأحداث ويصنع الوقائع ولا يخضع لها أو يتأثر بها كما يحدث بكل أسف.

ما قادنا بالضرورة إلى الإشكالية الثالثة والأخيرة، وهي غلبة الذاتي على الموضوعي في نظرتنا لأنفسنا وللآخرين. ففي الوقت الذي تتشكّل شرعية أي قوة ناعمة من قدرتها على التأثير في محيطها الإقليمي والدولي، فإن شرعية القوة الناعمة المصرية باتت تتشكل من الداخل من دون إدراك حقيقة أن مجتمعات كثيرة في محيطنا الدولي والإقليمي كانت أقل منا تأثيراً وحضوراً ثقافياً وسياسياً وحضارياً، لكنها تقدمت وتجاوزتنا من دون أن ندري، فباتت قدرة القوة الناعمة المصرية على التأثير مُختزلة وحبيسة في حال شوفينية مجردة تحكم نظرتنا الى الآخرين، على رغم تراجع تأثيرنا فيهم، مؤكدة ماضوية المفهوم وتاريخانيته.

لذلك، فإن المحصلة النهائية الفاجعة لمشاركتنا في كأس العالم عكست كل أشكال الفوضى والشعبوية والفشل في التخطيط وفساد الإدارة، بل وتردي حال الوعي الجمعي للمصريين. فإذا كانت الرياضة بمنافستها الندية تستطيع تفريغ كل النوازع الشريرة للبشر فتكون بديلاً للحرب لأنها تُدخل الناس في صراع وتنافس سلمي ينتهي بأن يقهر الإنسان أخاه الإنسان رمزياً من دون أن يقتله أو يحتل أرضه، كما قال الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، فإن الوعي الجمعي المصري اكتفى تاريخياً بمبدأ المشاركة المشرفة أو الفوز بضربة حظ. ومن هذا المنطلق، جرى التبرير إعلامياً بل وشعبياً قبل الهزائم المروعة في كأس العالم للمدرب هيكتور كوبر، لأنه استطاع أن يصل الى كأس العالم ويحتل المرتبة الثانية في بطولة أفريقيا بضربة حظ حالت دون توفيق الفرق المنافسة لا أكثر ولا أقل. وحتى الاستثناء الذي تمثله حال محمد صلاح بفعل الإجماع الشعبي والنخبوي عليها بوصفها نجاحاً استثنائياً خارج سياق الفشل والإخفاق المعتادين، فإنها تعد أيضاً دليلاً على حال الهشاشة الفكرية والثقافية التي ضربتنا بقوة. فالإجماع كان ينبغي أن يكون محله القضايا الأساسية كالدستور أو الهوية أو برامج النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي كان يفترض أن تمثل الحواضن الحقيقية لتشكل قوتنا الناعمة، إلا أنها على العكس من ذلك مزّقت المجتمع وقسمته في أعقاب ثورة كانون الثاني (يناير)، فأجهضت تحوله الديموقراطي وكرّست تلك المفارقة المؤلمة لمجتمع يريد على المستوى الشعوري دخول معترك الحضارة، ويخفق في ذلك واقعياً بفعل غياب الحرية وموت القدرة على الإبداع وتآكل روح الندية في مواجهة الآخر المتفوق حضارياً.

* كاتب مصري


نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابتذال القوة الناعمة وهزيمتنا الكرويّة والحضاريّة ابتذال القوة الناعمة وهزيمتنا الكرويّة والحضاريّة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon