بقلم - عبد اللطيف المناوي
الجدل مطلوب، والنقاش ضرورى وحيوى لتحريك الأوضاع الجامدة. فحجر المياه الراكدة يصنع المعجزات أحيانًا. أقول هذا ونحن قد بدأنا استحقاقًا جديدًا، تلا مناقشات وجدل- ولو محدود- من النوع المفيد على التعديلات الدستورية.
المصريون مميزون عندما يصنعون تاريخهم ومستقبلهم. هم متمرسون فى مسألة النقاش حول الوثيقة الدستورية وتعديلاتها، منذ أقدم دستور عرفته مصر فى العام 1879، حين وضع محمد شريف باشا أول وثيقة دستورية.
بعدها جاء دستور 1923 إثر ثورة 1919، التى استجاب الملك فؤاد لمطالبها بتشكيل لجنة لصياغة دستور. وبسبب التفاعلات والتقلبات السياسية آنذاك، وما رافقها من خلافات بين الملك وحكومات الأغلبية، قرر حاكم مصر صياغة دستور جديد فى 1930، عدّه المؤرخون ارتدادًا عن النسخة السابقة، خصوصًا أنه قلّص من صلاحيات مجلس النواب.
ولما ازدادت حمّى الرفض والمعارضة لتلك النصوص، أُجبر الملك فى العام 1935 على استئناف العمل بدستور 1923.
أما فى أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 فقد شهدت مصر أكثر من دستور حمل الروح القومية العربية، من بينها دستور 1954 الذى يعتبر «أكثر صيغ الدستور المصرى تطورًا»، حيث شارك فى كتابته لجان شملت «مشاركة عادلة لسائر فصائل وأطياف المشهد السياسى والاجتماعى فى مصر، وكان بينهم رجال دين مسيحيون ومسلمون»، إضافة إلى عدد كبير من الفقهاء الدستوريين، إلا أنه لم يتم العمل به، نظرًا لعدم ميل القائمين على دولة يوليو إلى أمر الجمهورية البرلمانية التى انحاز إليها هذا الدستور.
تولى الرئيس المصرى الراحل أنور السادات سدة الحكم، فبدأ عهده بدستور جديد عُرف بدستور 1971، أو الدستور الدائم الذى ظل ساريًا لنحو 40 عامًا، وإن أجريت عليه تعديلات مختلفة صاحبت أيضًا حالة من الجدل، كانت المرة الأولى فى مايو 1980، وتم بموجبه إلغاء القيد على حظر ترشيحه لأكثر من فترتين رئاسيتين.
فى السنوات الأخيرة من عهد مبارك، طرح فى عام 2005 تعديلًا دستوريًا جديدًا لينظم اختيار رئيس الجمهورية بانتخابات مباشرة، وشمل تعديلات على المادة 76 التى جرت على إثرها أول انتخابات رئاسية فى مصر.
وفى أعقاب أحداث 25 يناير 2011 لم تستقر الوثائق الدستورية لمدد طويلة، حيث أجريت بعد شهرين تقريبًا من الأحداث تعديلات نالت موافقة المواطنين، ثم صدر إعلان دستورى، وتم تعطيل العمل بدستور 1971، ومع تولى الإخوان السلطة، أصدروا إعلانًا دستوريًا مثيرًا للجدل، منحهم سلطات غير مسبوقة، لكن سرعان ما تم إصدار دستور جديد عُرف بدستور 2012، إلى أن وصلنا الى دستور ما بعد ثورة 30 يونيو، الذى جرى الاستفتاء عليه فى مطلع 2014 وهو الذى يجرى عليه الاستفتاء هذه الأيام.
الجدل الذى دار طوال السنوات العديدة الماضية، وهذا الذى شهدناه خلال الأيام الماضية، لا شك أنه مفيد، وأتمنى أن ينعكس بالإيجاب على الحياة السياسية المصرية، التى اقتربت من التيبس.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع