توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مكافحة الإرهاب... كنز الأنظمة الاستبدادية في أفريقيا

  مصر اليوم -

مكافحة الإرهاب كنز الأنظمة الاستبدادية في أفريقيا

بقلم - أنطوان بيروز دي مونكلو

 الخطاب الرسمي في أفريقيا يذهب إلى دق ناقوس الخطر من غلبة الجهاد على بلدان كثيرة في القارة الأفريقية، ويصف الغلبة هذه بـ «خطر شامل على الغرب». ولكن هل الكلام هذا في محله؟ ففي الصحراء الأفريقية الكبرى ثلاث بؤر «جهادية»: «حركة الشباب» في الصومال، و «بوكو حرام» في شمال غرب نيجيريا، وشبكة «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في مالي.

ويعود الفرق بين الحركات «الجهادية» الثلاث المهيمنة في أفريقيا إلى جذورها. وعلى سبيل المثل، أفلحت «حركة الشباب» من دون غيرها من الحركات الجهادية، في الإمساك بالأرض في بلد انفرط عقد دولته. أما في مالي فلم تكتب حياة مديدة لحكم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»- وهي واجهة عدد من المجموعات الموالية للقاعدة، ولم يدم حكمها أكثر من ستة أشهر في شمال البلاد في 2012. وفي نيجيريا، سيطرت «بوكو حرام» على بعض المناطق الريفية في بورنو، ولكنها أخفقت في الإمساك بمقاليد أي من المناطق. وفي مالي، «القاعدة في بلاد المغرب ...» تتحدر من جذور جزائرية، وهي وثيقة الصلة بالعالم العربي. ولكن الطابع «الساحلي» (دول الساحل الأفريقي) الذي تسبغه الحركات الجهادية هذه على نفسها هو من بنات خيالها، ولا سند له في الواقع. فالتنسيق غائب بين هذه الحركات، ولا امتداد لها وراء البحار، ولم تشن هجمات في أوروبا أو في أميركا الشمالية، في ما خلا «حركة الشباب»- شبكة مهاجرين صوماليين في الخارج هي جسرها إلى العالم. والمهاجرون النيجيريون لا يؤيدون «بوكو حرام» في لندن، ولم يتقاطر فرنسيون من أبناء الضواحي الفرنسية الى مالي للقتال في تومبكتو. ولا تقوم قائمة للتحليلات السائدة في فهم ما يجري في العراق أو سورية في الساحل الأفريقي. فأوجه الشبه بينهما ضعيفة أو غائبة.

ولا أصف هذه الحركات بالإرهابية، على رغم شنّها هجمات إرهابية. فهي حركات «تمرد» صفوفها مؤلفة من عصابات راسخة في بيئات اجتماعية، وهي تعارض دولاً تصفها بالـ «كفر» جراء فسادها على المستويين السياسي والأخلاقي. وليس الرحم الأيديولوجي علة حركات التمرد هذه. وأجريتُ مقابلات مع حوالى ستين عضواً من أعضاء «بوكوحرام»: واحد فحسب منهم رفع لواء دواع دينية لتسويغ انضمامه الى الحركة. فالمتمردون يتوسلون براية الإسلام والنماذج الثورية في العالم الإسلامي لتسويغ ثورتهم وتمردهم. ومن معين المنهل هذا يرفعون لواء «القاعدة» أو «داعش». وإذا كان تعريف الإرهاب يُطلق على من يرتكب مجازر في أوساط مدنيين آمنين وأبرياء، صح التعريف هذا كذلك في الجيوش الأفريقية التي يفترض بها إنقاذ الحيوات من طريق مقاتلة هذه الحركات.

وفي وسعي القول جازماً إن قوات الأمن في نيجيريا تنزل الموت بالناس أكثر من «بوكوحرام». وفي سجون البلد هذا، تعذيب يعصى التحمل. ولا ريب في أن الجيوش المحلية ليست وراء بروز المجموعات الجهادية. ولكن السكان في أحيان كثيرة يرون أن الجيوش هذه قوات احتلال، وهي تشن عمليات عنف وسلب، وتسجن الأبرياء، والفساد يفشو في صفوفها، الخ. وهذه الوقائع يترتب عليها السؤال عن صواب تصوير مكافحة الإرهاب على أنها السبيل الأمثل لإنقاذ الحيوات وإرساء الاستقرار، ولكن حين يزور المرء المناطق هذه، يدرك أن الجيوش المحلية تقف وراء الاضطرابات.

وفرنسا بالغة التدخل في منطقة الساحل، وهي تسعى منذ عام إلى تسليم مقاليد مكافحة الإرهاب إلى الأفريقيين أنفسهم. وأنشئت مجموعة «5 زائداً واحداً» التي تجمع جيوش 5 بلدان أفريقية. ولكن، وإلى اليوم، العمليات العسكرية أولت الأولوية للمناطق الحدودية حيث تدور، من غير شك، عمليات تهريب. وتسعى الدول الأفريقية إلى اقتلاع التهريب، وتتذرع إلى ذلك بالقول إن عوائد التهريب تعود إلى الجهاديين. ولكن في الواقع، هذه المناطق تعيل الجميع وهي مصدر عيش السكان كلهم! فمن أين إقناع سكان هذه المناطق بقبول تدخل عسكري يرمي إلى حرمانهم من موارد عيشهم؟ ولذا، أطعن في قدرة مجموعة الدول الخمس على استمالة المحليين. ومن دون دعم هؤلاء لن تنعقد ثمار عملهم. وأرى أن الفشل ينتظر التدخل الفرنسي في بلدان الساحل ومالي، وهذا ما كتبته منذ 2013: «الإرهاب» هو مرآة ضعف دولة مالي فحسب. والرد العسكري لا يكفي، والحاجة تمسّ إلى علاج طويل الأمد. ولا أعارض التدخلات العسكرية، فموقفي منها ليس مبدئياً، وهي عمليات مسوغة في بعض الأحيان. ولكن التدخل في مالي عظّم خطر المجموعات الجهادية، وجعله هائلاً. وفي 2012، أُخرجت صورة « القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» على أنها خطر عابر للدول يُهدد استقرار المنطقة كلها. وقيل إن التدخل الفرنسي يخدم مصالح فرنسا، ويحميها من الهجمات. ولكن إلى يومنا هذا لم تشن مجموعات جهادية من منطقة الصحراء الكبرى الأفريقية، أي هجوم في فرنسا. وطعنتُ حينها في قدرة هؤلاء الجهاديين على مواصلة طريقهم ما وراء موبتي إلى باماكو، عاصمة مالي، والصمود فيها. فهذه العاصمة تعد مليون نسمة، وسكانها معادون للحركات الجهادية أشد معاداة. وكان في جعبة الفرنسيين خيارات عسكرية أخرى.... وفي حال مالي، ساد خطاب بعيد من الوقائع والمنطق، وبلغ به مبلغ الهذيان. وإثر شن عملية سرفال [في 19 أيلول/ سبتمبر 2013]، سوّغ الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، التدخل في مالي بالزعم أن الجهاديين يقتلون النساء والأطفال. وهذا زعم يجافي الواقع. والمجزرة الوحيدة في تلك المرحلة كانت مجزرة جنود ماليين في آغلهوك. ولكن مسؤولية الجهاديين عن المجزرة هذه غير ثابتة ولا بائنة. ولكن وسائل الإعلام كلها لم تخالف خطاب هولاند. وفي خطاب في 8 آذار (مارس) 2013، وفي مناسبة يوم حقوق المرأة، تذرع هولاند بأسوأ ذريعة تسوغ التدخل العسكري منذ حرب الجزائر: وزعم أن تدخل بلاده يرمي إلى عتق النساء الماليات المحجبات. وحين توسل ساركوزي بالذريعة نفسها في 2008 لتسويغ تمديد ولاية التدخل الفرنسي في أفغانستان، ندد الحزب الاشتراكي بـ «حرب الحضارات». وعلى خطاه سار هولاند بعد أربع سنوات. ولذا، الحاجة هي ربما إلى نزع تطرف قادتنا. فمثل هذه الإعلانات والتصريحات هي عَرَض من أعراض عمى أيديولوجي يسوغ كل شيء: لمكافحة خطر عالمي مزعوم، لا نتردد في دعم أنظمة ديكتاتورية فاسدة وغير شعبية. ونطلب من الجيش الفرنسي المستحيل: الإمساك بالأرض في مناطق يلفظ فيها المحليون قواته.

وأن تعزى المشكلات كلها في هذه المنطقة الى الفقر يختزل المسألة. ولا ريب في أن الفقر هو قماشة كل النزاعات الأفريقية، الجهادية وغير الجهادية على حد سواء. ولكن البؤر الجهادية لا تنبت لا محالة في المناطق الأكثر بؤساً. ومؤسسو المجموعات الجهادية لا يتحدرون من الفئات الأكثر فقراً. ويفوق دور التباين الاجتماعي، توسع الهوة الاجتماعية، والشعور بالظلم وغياب العدالة، دور الفقر في التمخض عن هذه الحركات. فالمجتمعات الفقيرة لا تولد القدر نفسه من النزاعات مقدار المجتمعات حيث هوة اللامساواة شاسعة وحيث النقمة على الأثرياء تغذي الغضب. ولن تنعقد ثمار مساعدات تنموية تغدق من غير رقيب ولا حساب، فتُختلس وتُستخدم لغايات أخرى. والتشاد هو خير مثل على ما أسوقه: ففرنسا تسدد اليوم رواتب الموظفين التشاديين جراء اختلال أموال الريع النفطي. وعوض انتقاد الرئيس التشادي، وهو حليف صدوق في ميادين القتال، نضخ الأموال في خزينته. وفرنسا لا تنتقد الحلفاء، ولا تربط المساعدات بتغيير الحكم أو الحوكمة. ولم تفت قادة المجتمعات المعنية ملاحظة هذا الأمر. فاليوم مكافحة الإرهاب هي ريع الأنظمة الأفريقية الديكتاتورية. ففي الماضي، كان الغرب يغض النظر عن الأنظمة الديكتاتورية الأفريقية في أوج الحرب الباردة. واليوم، تذكي الأنظمة الفاسدة، وبعضها في أفريقيا من حلفاء فرنسا، مخاوف الفرنسيين من الحركات الجهادية لاستمالة الدعم.

نقلا عن الديمقراطية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مكافحة الإرهاب كنز الأنظمة الاستبدادية في أفريقيا مكافحة الإرهاب كنز الأنظمة الاستبدادية في أفريقيا



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon