«من أراد أن يلقي إسرائيل في البحر، فليلق أولا بأمريكا».. لا يزال هذا التوصيف من الرئيس «تيتو» هو رأس الحكمة لعلاقة إسرائيل بأمريكا التي ليس لها نظير في الدينا..
والسؤال في المثل يقول: من هو الذي أطول من العملاق؟
الجواب: القزم الذي يركب كتفي العملاق..!.
والمعنى: أي إسرائيل وهي على كتفي أمريكا
ولما قيل لفتاة جميلة كيف تزوجت رجلا قصير القامة، قالت: صحيح أنه قصير، ولكنكم لم تروه عندما يقف فوق فلوسه، كم يكون طويلا جدًا.. وكذلك إسرائيل وهي تقف فوق بنوك أمريكا وأوروبا والبورصة..
استدعي هذا المشهد مع الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور، في سياق الحديث عن مذكراته السياسية (مشواري السري) التي لم ينشرها وتركها أمانة، وهي التي سجل فيها رحلاته المكوكية التي كان يقوم بها بين الرئيس السادات وحكام الكيان الصهيوني.
والذي ساعد على هذا الاسترجاع أنه ظهر منذ فترة مجموعة من أفراد الكيان الصهيوني، على أسطح بعض الفضائيات العربية والمواقع الإلكترونية العربية، يتحدثون بلسان صهيوني بغيض، أراقبهم وأرقبهم، والنفس تتميز من الغيظ من هذه الوسائل التي تفسح لهم الطريق المجاني، تعبيراتهم متقاربة.. أفكارهم مصدرها واحد ووحيد.. لغتهم تنتظمها أسلوبية واحدة.. يتحدثون باللغة العربية التي يلوثونها بألسنتهم ويزعمون أنهم يجيدونها أكثر من أهلها.. يدور خطابهم الإعلامي السياسي حول نقطة محورية ذات تفريعات مثيرة للغثيان، من قبيل.. إظهار العالم العربي بمظهر المشتت، لا يعرف الوحدة السياسية ولا الثقافية.. معظم الحكام العرب يهرولون إلي الزعيم نتنياهو»(!!!) بأكثر مما يحلم به الصهاينة منذ سبعين عامًا أو يزيد..!!
وعن عمد لا يذكرون أسماء لإثارة الفتنة بالتكهنات وهذا شأنهم ودأبهم..!! يذكرون أن شعوبًا عربية تطالبهم بأن يحتل الصهاينة أراضيهم ودولهم رحمة بهم من الأنظمة العربية..!! العرب ممزقون.. خائنون.. ظاهرة صوتية.. مشتتون.. يكرهون بعضهم البعض.. يقتلون أنفسهم بأنفسهم.. و...و... إلى آخر هذه القائمة التي يسوقها هؤلاء الصهاينة الحاقدون.. ويروجون لها هنا وهناك.. بلا حياء أو خجل..!!
وهم يصورن أن وسائل الإعلام العربية هي التي تلهث وراءهم..!! ويزعمون أنهم «باحثون إسرائيلون» - وما هم بباحثين ولا يمتون إلى البحث العلمي بأدنى صلة.. أسماؤهم وهمية.. مستعارة.. وهذا هو دأب آل صهيون وهرتزل...والذين لا حول ولا قوة لهم إلا البيت الأبيض الذي يركبون على كتفه..!!.
لا أتعجب منهم فمصدرهم واحد.. ينفثون لحنهم المسموم بأكثر من فحيح.. حملاتهم منظمة في الشكل والمحتوى والتوقيت والزمان والمكان.. يظهرون فجأة ويختفون فجأة.. اسماء بعينها.. وأشخاص محددون.. وجوههم المزيفة معفرة بنواصي الكذب.. يزعمون أنهم يتحدون أي سياسي وأي باحث عربي أن يصمد أمام ما يطرحونه من حجج؛ مع أن حججهم أوهن من خيوط العنكبوت لكنهم لا يعقلون.. لا يمكلون إلا كلمة (لا فلسطين.. نحن أهل أورشليم الأصليون)..
ينطلقون سياسيًا وثقافيًا من تفسيراتهم المثيرة للسخرية مما يسمونه التوراة... سياستهم توراتية.. كل تحركاتهم المخفية والمعلنة تحكمها النصوص التي وضعوها باسم التوراة...
يرون في إستراتيجيتهم العالم العربي من منظور مختلف، طبقًا لكتاب «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان» الذي أصدره فى عام ٢٠٠٣ مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا التابع لجامعة تل أبيب، ذكر مؤلفه العميد متقاعد موشى فرجى «إن الإستراتيجية الإسرائيلية إزاء المنطقة العربية انطلقت من رفض فكرة انتماء المنطقة العربية إلى وحدة ثقافية وحضارية واحدة، والتعامل معها باعتبارها خليطًا متنوعًا من الثقافات والتعدد اللغوي والديني والإثني.
إذ اعتادت على تصويرها على أنها فسيفساء تضم بين ظهرانيها شبكة معقدة من أشكال التعدد اللغوي والديني والقومي ما بين عرب وفرس وأتراك أرمن وإسرائيليين وأكراد وبهائيين ودروز ويهود وبروتستانت وكاثوليك وعلويين وصابئة وشيعة وسنة وموارنة وشركس وتركمان وآشوريين!»
وأن «المنطقة ما هى إلا مجموعة أقليات ولا يوجد تاريخ موحد يجمعها، ومن ثم يصبح التاريخ الحقيقي هو تاريخ كل أقلية على حدة، والغاية من ذلك - في منظور فهمي هويدي - تحقيق هدفين أساسيين هما: رفض مفهوم القومية العربية والدعوة إلى الوحدة العربية، واعتبار القومية العربية فكرة يحيطها الغموض وغير ذات موضوع ــ الهدف الثانى هو تبرير شرعية الوجود الإسرائيلي الصهيوني في المنطقة؛ إذ ما دامت تضم خليطًا من القوميات والشعوب والقوميات التى لا سبيل لقيام وحدة بينها، فمن الطبيعي أن تكون لكل قومية دولتها الخاصة، وهو ما يضفي شرعية على وجود إسرائيل باعتبارها إحدى الدول القومية في المنطقة».
و فى مؤلفه «صوت إسرائيل» يعترض أبا إيبان (وزير خارجية إسرائيل الأسبق) على فكرة أن الشرق الأوسط يمثل وحدة ثقافية، وذكر أن العرب عاشوا دائمًا في فرقة عن بعضهم، وأن فترات الوحدة القصيرة كانت تتم بقوة السلاح، ومن ثم فإن التجزئة السياسية لم يحدثها الاستعمار؛ لأن الروابط الثقافية والتراث التي تجمع البلاد العربية لا يمكن أن تضع الأساس للوحدة السياسية والتنظيمية.
ونفس الفكرة هي التي قننها المحلل السياسي ورئيس جمعية حقوق الإنسان في الكيان الصهيوني إسرائيل شاحاك في ثلاثة أمور، الأول أن مخططات التقسيم يتبناها ويروج لها اليمين الإسرائيلي واليمين الأمريكى، الثاني أن تفتيت العالم العربي تم بفعل عوامل داخلية نابعة من هشاشة المجتمعات العربية، وليس من خلال التدخلات الأجنبية، الثالث أن انفراط عقد العالم العربى ليس سببه الربيع العربي كما يروج البعض؛ لأن ذلك الربيع كان ثورة من جانب الجماهير العربية على تدهور الأوضاع فى بلادها».
أرأيتم... ما يقوم به هؤلاء المتحدثون الصهاينة من حملات إعلامية ممنهجة، مستغلين أسوأ استغلال، ضعف النزعة القومية العربية لدى الوسائل التي تفتح لهم أبوابها لينتشروا منها كالذباب..؟!.
وما يفعله هؤلاء المهرولون.. المطبعون.. ما هو إلا زوبعة في فنجان مقلوب.. وسنرى..
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع