بقلم - عز الدين شكري فشير
نحن ننسى. وسط حماسنا لمشروعاتنا وأفكارنا، أو تحت وطأة معاناتنا، أن مشاكلنا وأحلامنا لا تهم أحدا غيرنا. يهتم الآخرون بنا بقدر تأثيرنا عليهم، لا أكثر ولا أقل. يهتمون بقدر ما نشكل لهم تهديدا – غالبا فى شكل تصدير الإرهاب أو المهاجرين. يهتمون بقدر ما نشكل لهم من فرص اقتصادية – غالبا فى شكل عقود لشركات واستثمارات أو فرص للتجارة. غير ذلك لا يهتم أحد.
تريدين ارتداء الحجاب واعتباره جزءا من هويتك وعنوانا لها؟ تفضلى. تريد إطالة شعرك وخرم أنفك واعتبار ذلك جزءا من هويتك وعنوانا لك؟ أهلا بك. تريد توحيد زى الناس وأدائهم للنشيد الوطنى فى الشوارع كل صباح: ربنا يسهلّك. لا أحد يأبه. ربما يهتم بك بعض الكتاب ودارسى الشرق الأوسط، ربما يكتب أحدهم كتابا عن الاتجاهات الجديدة فى العالم العربى أو عن استمرار الاتجاهات القديمة، ويشتبكون فى مقالين فى النيويورك تايمز ومجلة أتلانتك. ومن يدرى، ربما يؤثر اهتمامهم فى المدى الطويل، بشكل ما. أما اليوم فلا أحد ممن يتخذون القرارات ومن يؤثرون فيهم بشكل مباشر يأبه بمدى ديكتاتوريتنا أو ديمقراطيتنا، بمدى تديننا أو علمنتنا، بجدية إصلاحاتنا أو شكليتها. المهم هو المهم:
سيأتيك التجار إن كان لديك ما تشتريه.
سيأتيك الآخذون إن كان لديك ما تعطيه.
سيراقبك الأمنيون دوما، لأنك مصدر تهديد بدرجة ما.
وسيأتيك موزعو الإغاثة الإنسانية، لأن بؤسك يتعدى قدرة إنسانيتهم على التجاهل.
بغض النظر عن الضجيج الذى يصدر منك ونوع هذا الضجيج.
هذا الموقف لم يعد سرا يحتاج معرفته لاتصالات متميزة مع دوائر صنع القرار فى العالم، ولا موقفا مشفرا يحتاج أساتذة ومتخصصين لفكه وتحليله، بل أصبح موقفا معلنا وصريحا يردده صناع القرار ويتناقشون فيه فى وسائل الإعلام. نحن الذين لا نسمع ما لا نحب. باراك أوباما شخصيا، رئيس الولايات المتحدة شخصيا، قالها بالصريح أثناء عمله كرئيس. قال إن العالم يتغير وبسرعة، خاصة فى آسيا، وأن هذه التغيرات تستدعى اهتمام ومتابعة الولايات المتحدة لأنها التغيرات التى ستحدد شكل مستقبل العالم، وأن الاهتمام بالشرق الأوسط الذى يشكل «الجزء العدمى من الإنسانية» لا يجب أن يشغل أمريكا عن هذا الأمر. قالها وشرحها بتفصيل وبلاغة لا يدعان مجالا لسوء التفسير؛ فى حوار امتد لساعات طويلة ونشرته مجلة أتلانتك الشهرية منذ خمس سنوات كاملة.
لكننا لا نقرأ مالا يعجبنا. وإن قرأناه فسرناه وأولناه بما يعجبنا. وحتى إن قرأناه وفهمناه كان رد فعلنا هو الشكوى وترديد أغانينا. لقد حفظ العالم كل هذه الأغانى ومل من تكرارها. أغانى الظلم التاريخى والاستعمار وسايكس بيكو وضياع فلسطين وتشريد أهلها وغزو العراق ودعم الديكتاتورية ونهب الثروات والمعايير المزدوجة والإسلاموفوبيا. أغانى العصر الذهبى للإسلام والأندلس التعددية وأنوار العباسيين وبأس العثمانيين الأوائل. وأغانى الهوية الفريدة والتهديدات التى تتعرض لها وإصرارنا على حمايتها والتمسك بها فى وجه هذه التهديدات. حفظ العالم هذه الأغانى وفقد الأمل فى التعامل والتصالح معها وقرر أن احتواءها هو الحل الوحيد. قرر هذا مللا أو كراهية، أو لأن المجهود المطلوب لفك هذه العقد التاريخية يتجاوز حدود المعقول والمقدور عليه.
وما تبعات هذا الكلام؟ تبعاته ضرورة تذكر حقيقة أساسية وهى أننا مع أنفسنا تماما. لا أحد سينقذنا حين نغرق ولا أحد سيتدخل لتعديل مسارنا إلا بقدر تأثيرنا المحدود. من يريد الحياة فى ديكتاتورية أو فى ديمقراطية أو فى دولة دينية أو علمانية أو حتى فى حرب أهلية فليتفضل، طالما لم تتعد نتائجها حدودا معينة – عندها يتدخل الآخرون بقدر محسوب لدرء هذا التعدى ثم ينصرفون.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع