بقلم - نبيل نجم الدين
من المؤكد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ماض بكل رعونة وحماقة في العبث وتعقيد قضية الشرق الأوسط المركزية، القضية الفلسطينية. فترامب غريب الأطوار، يتعامل مع حقوق الشعب الفلسطيني، وقرارات الأمم المتحدة، وكذلك قواعد القانون والعرف والبروتوكول الدولي باستخفاف واستهانة وحماقة.
وهو في الوقت ذاته لم يدع لشعوب هذه المنطقة ولا لحكوماتها شبراً واحداً من مساحات الأمل، حتى لو كان أملاً كاذباً، كما كان يفعل عددٌ كبيرٌ من الرؤساء الأميركيين! ويبدو أن هذا الثور السياسي الأميركي الأبيض لن يتوقف عن التحطيم والتخريب والتدمير، وهو في ما يحطم داخلياً وخارجياً، يحطم بامتياز أساسات القضية الفلسطينية، ويحطم حيطان البيت الفلسطيني ونوافذه. هكذا بدم بارد كأنه يسدد فاتورة الوعود الانتخابية التي التزم بها تجاه اللوبي اليهودي، تلك الوعود، التي كانت الجسر الذي نقله من دنيا المال والصفقات والنساء والفضائح وبرامج التلفزيون إلى المكتب البيضاوي.
ومن جوانب خطورة هذا الرئيس أنه سيترأس نهاية الشهر الجاري، الدورة الـ73 لمجلس الأمن الدولي، ما يثير قلقاً في أوساط إدارته، وخارجها توجساً من أن يعبث بتلك المؤسسة الدولية، كما اعتاد العبث في مشروعات حياته الصاخبة، ابتداءً من رعايته مسابقات ملكات الجمال، إلى هبوطه الصاخب على حلبات المصارعة الحرة، إلى فضائحه المدوية مع فتيات الليل والنهار، ومن تقديمه برنامجاً تافهاً لتلفزيون الواقع، إلى الادعاءات الخاصة بتهربه من دفع الضرائب. لقد ضرب الرئيس ترامب بعرض الحائط كل المواثيق والقرارات الدولية الخاصة بمدينة القدس المحتلة وأصدر قراراً أعلن بموجبه أن القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو تدخل غير قانوني لتغيير حيثية مدينة القدس المحتلة، ما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى الاجتماع للتصويت على مشروع يرفض هذا الأمر. أكد القرار الأممي الذي صوتت لمصلحته 128 دولة، واعترضت عليه 9 دول، فيما امتنعت 35 دولة عن التصويت، أن أي إجراءات تهدف إلى تغيير حيثية مدينة القدس، هي إجراءات باطلة ولاغية. كما دعا القرار الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الامتثال لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس.
لم يكد يمضي شهر على قرار إعلان القدس عاصة لإسرائيل حتى عاد الرئيس دونالد ترامب إلى ممارسة عبثه الزاعق وأصدر قراراً بتجميد عشرات الملايين من الدولارات من مساهمة بلاده في مؤسسة غوث وتشغيل اللاجئين - الأونروا. هكذا بحجة أن الوكالة بلغت حداً من العطب لا يمكن إصلاحه! وهو ادعاء كاذب، فالوكالة حازت ثقة وشهادات من البنك الدولي وغيره من المنظمات الدولية تؤكد جودة أدائها. أما العطب الذي تحجج به الرئيس الأميركي فهو أن الأونروا تنفق موازنتها في إغاثة وتعليم وعلاج وتقديم برامج دعم اجتماعي لـ5.3 مليون مواطن فلسطيني سلبت إسرائيل المحتلة أراضيهم وديارهم وقطعت بهم السبل في غزة ورام الله وعمان وبيروت ودمشق، لكنه كشف نفسه بتغريدة قال فيها: «لماذا نواصل دفع مئات الملايين من الدولارات للفلسطينيين ما داموا يرفضون الانخراط في مفاوضات سلام طويل الأجل مع إسرائيل؟». نعم، قد يتفق بعض السفهاء في طرح مثل هذا السؤال، فيما يتغاضون عن الاستمرار في دعم القاتل الإسرائيلي عسكرياً بثلاثة بلايين دولار سنوياً من أموال دافع الضرائب الأميركي نصير الحرية!
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع