مر عام على بداية الأزمة الدبلوماسية مع قطر، عندما قاطع التحالف الذي تقوده السعودية ذلك البلد تجاريا.
وبالنسبة للسعودية والإمارات والبحرين ومصر، فالأمر يعد تذكيرا بالآثار الخطيرة لعلاقة الحب بين قطر والإسلاموية المتطرفة. الخلاف مع قطر قد لا يكون الأكثر إثارة في المنطقة المشبعة بحمامات الدم والمآسي، لكنه يمثل معركة حيوية لنظام ما بعد الربيع العربي، معركة ستعيد تشكيل دول الخليج والمنطقة لأجيال قادمة.
وقد يبدو الصراع مربكا. ففي ظل الضبابية الناتجة عن المعلومات المغلوطة وحملات الضغط والتسريبات والشائعات، من الصعب فهم سبب عدم حل الخلاف حتى الآن. إلا أن هناك على ما يبدو ثلاثة عناصر أساسية خلف استمراره:
الأول: سؤال الهوية
لسنوات، فضلت دول الخليج الهوية الخليجية، هوية جمعية تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي. كانت دول الخليج تأمل في أن تصهر القيم الثقافية المشتركة والاندماج الاجتماعي والتزاوج بين المجتمعات الخليجية وتنتج رؤية سياسية موحدة، لكن مثل شقيقته الكبرى، الجامعة العربية، أسفر مجلس التعاون عن اتحاد هش. إذ لا تفضي المشتركات الاجتماعية والثقافية وحدها بالضرورة إلى وحدة سياسية ناجحة. وفي الواقع كشف الخلاف مع قطر كيف يمكن للهويات الوطنية المتنازعة، والمرتبكة في بعض الأحيان، أن تزرع بذور الشقاق.
في ذكرى مرور عام على الأزمة القطرية تزداد الهوة بين الدوحة والرياض اتساعا
ففي حين اختارت قطر دمج إسلام جماعة الإخوان المسلمين الطائفي في هويتها الوطنية، فضلت الإمارات خطاب إصلاح ديني أجرأ يعارض بوضوح الإسلاموية كأيديولوجية. وتعكس أزمة قطر كيف أن هويات دول الخليج المنفردة (السعودية والإماراتية والكويتية والبحرينية والعمانية والقطرية) ما زالت في طور التشكل، وتعاني في محاولة مزج الدين مع هوياتها الوطنية المختلفة، وقد تستغرق هذه المعاناة سنوات قبل أن تصل إلى حل.
الثاني: معركة الصورة في الخارج
بالرغم من أن جانبي الصراع استخدما وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي لتمرير أجندتاهما، إلا أن القطريين على الأرجح يتفوقون على منافسيهم. ومع أن التحالف الذي تقوده السعودية بدأ في اللحاق بهم، لكنه يظل خلف قطر في معركة كسب القلوب والعقول خاصة في العواصم الغربية.
نظرة سريعة على التقارير ومقالات الرأي المنشورة في وسائل الإعلام الغربية حول الأزمة، تظهر بوضوح أن أغلبها يميل للموقف القطري.
وشرح أسباب هذا التفاوت ليس أمرا سهلا. ربما استفادت قطر بشكل غير مباشر من سيل الصحافيين والمحللين الغربيين الذين تبنوا موقفا قويا معاديا للسعودية، وبشكل خاص منذ انهيار ثورات الربيع العربي.
فهم القطريون منذ 2011 أساليب الحرب الحديثة واتخذوا قرارا استراتيجيا: فمن أجل أن تنتصر دولتهم الصغيرة، عليهم الاصطفاف مع القوى المعادية للأنظمة العربية في المنطقة وبخاصة الإسلاموية منها، وأن يصوروا نظامهم كداعم للحقوق والحريات.
وأكثر من ذلك، تبنت قطر توجها مزدوجا. ففي وسائل الإعلام الغربية تصور قطر نفسها ضحية حصار غير عادل يفرضه عليها جيرانها، وفي وسائل الإعلام العربية تقدم قطر نفسها على أنها الدولة الضحية المتحدية، وهي صورة تجذب الجمهور العربي وبخاصة من لا يزالون يصدقون خطاب المقاومة الذي تقدمه الإسلاموية.
استفادت قطر بشكل غير مباشر من سيل الصحافيين والمحللين الغربيين الذين تبنوا موقفا قويا معاديا للسعودية
وعلى منصات التواصل الاجتماعي تدور حرب استنزاف طاحنة بين الجانبين، لم تفلت منها حتى كرة القدم. فعلى سبيل المثال روجت الحسابات الداعمة لقطر نظرية مؤامرة تقول بإن السعودية قد تكون وراء إصابة اللاعب المصري محمد صلاح خلال نهائي دوري أبطال أوروبا كي تحقق فوزا سهلا على مصر في كأس العالم المقبلة.
حرب الإعلام القبيحة هذه مزقت أي روابط متبقية بين قطر وجيرانها، وجعلت من المصالحة أمرا شبه مستحيل.
الثالث: الدور الأميركي
في البداية، اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب حكومة قطر بتمويل التطرف، لكن وزير خارجيته مايك بومبيو تحدث بلغة صلح الشهر الماضي عندما قال لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن الخلاف يجب أن ينتهي.
وفسر زميل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ستيفن كوك، ما بدا وكأنه استدارة في الموقف الأميركي، من خلال ربطه برغبة ترامب في خليج متحد لدعم توجهه الجديد بشأن إيران. وبالتأكيد فإن موقفا خليجيا موحدا يبدو أمرا مرغوبا فيه في مواجهة إيران، لكنه غير متحقق على أرض الواقع.
فعلى عكس رد الفعل الحماسي للسعودية والإمارات على قرار أميركا الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات عليها، اتخذت قطر موقفا أكثر حذرا. السعي نحو خليج متحد أثبت أنه هدف أكثر صعوبة مما افترضه كثيرون في واشنطن في بادئ الأمر. حملات الضغط المتواصلة لكلا الجانبين في واشنطن لم تحل الأزمة ولم تساعد الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها.
وفي ذكرى مرور عام على الأزمة القطرية، تزداد الهوة بين الدوحة والرياض اتساعا. فقطر تعايشت مع المقاطعة وسجلت نقاطا لصالحها في الحرب الإعلامية، لكنها كما سبق وأن كتبت، فشلت في زرع الشقاق بين السعودية والإمارات وفشلت في إضعاف عزم خصومها. وعلى العكس منها عدل التحالف السعودي وأعاد حساب تكتيكاته حسب الوقائع الجيوستراتيجية المتغيرة.
وفي ظل هذا الجمود، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن تركز على توجه أكثر واقعية حيال السلام في الخليج، وليس بالضرورة عبر موقف متحد. وقف التصعيد والتعاون المشترك ضد إيران أهم للولايات المتحدة من زواج تعيس بين دول الخليج المتنافسة.
نقلًا عن "الحرة"شبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع