بقلم - أسامة الألفي
الأمطار والسيول التى هطلت على مدن مصر وقراها وأغرقتها، فضحت افتقارنا إلى التخطيط السليم، ورد الفعل السليم، إذ اكتفينا بإحالة بعض مسئولى المدن الجديدة إلى التحقيق، برغم أن كثيرًا منهم لم يكونوا فى موقع المسئولية حين تم التخطيط لإنشاء هذه المدن. نظرنا إلى الأضرار التى حدثت بالمدن التى يسكنها الكبار، وتجاهلنا البعد الاقتصادى لهذه الثروة التى هبطت علينا من السماء، ولم نحسن التعامل معها، فتحولت إلى نقمة أسفرت عن خسائر ضخمة بالأراضى الزراعية فى البحيرة ودمياط، فترسب المياه فترات طويلة بالأرض يدمرها، ويؤدى إلى التعفن البيئى وانتشار الآفات والحشرات والأمراض البكتيرية فيها، ويؤثر على مواعيد زراعة المحاصيل الشتوية. انشغلنا بلعن إثيوبيا وإلقاء اللوم على سد النهضة فيما نعانيه من فقر مائي، انزل حصة الفرد المصرى إلى قرابة 500 متر مكعب بينما حد الفقر المائى العالمى 1200 متر مكعب، وتجاهلنا أننا نترك البحر المتوسط يبتلع ثلث حصتنا من مياه النيل. تذكرنا أن الزراعة تأخذ 90% من مواردنا المائية، فحظرنا - دون تنسيق مع المزارعين - زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكًا للمياه وأهمها الأرز، وتجاهلنا أن هناك أراضى «مطبلة» فى البحيرة والغربية ذات منسوب مرتفع من المياه الجوفية، يجعلها لا تصلح إلا لزراعة الأرز.
سعينا إلى علاج النتائج، ولم نسع إلى علاج الأسباب بالاستفادة من مصادر المياه المتاحة، والبحث عن مصادر بديلة، مثلما تفعل دول العالم، منذ صدور تقرير الأمم المتحدة «المياه فى عالم متغير»، الذى حذّر من أن نصف سكان العالم سيعيشون بحلول عام 2030 فى مناطق شحيحة بالمياه.
وحتى لا يساء فهم المقصد، أقول إنى لا أبرئ به إثيوبيا من جريمة محاولة سلب حقنا التاريخى من مياه النيل، وإنما أحاول إيضاح الصورة بهدف البحث عن البدائل، فحتى لوبقيت حصتنا من مياه النيل كما هى 55.5 مليار متر مكعب من المياه فلن تكفينا، لأن هذه الحصة - كما سبق وذكرت فى أكثر من مقالة - اتفق عليها وتعدادنا لا يتجاوز 20 مليون نسمة. وأولى البدائل هى الحيلولة دون استمرار ضياع 17 مليار متر مكعب من مياه النيل فى البحر المتوسط، بإقامة سدين عند فرعى النيل فى دمياط ورشيد، أو عمل تحويلة شبيهة بالقناة تمنع هدر المياه فى البحر، وتحولها إلى المناطق المحتاجة، لاستخدامها فى أغراض الزراعة والشرب، والاستفادة من مياه الأمطار والسيول، بإنشاء مخرات وبناء أقبية لتخزين المياه، وحقن الآبار بمياه الأمطار أو نشر المياه فى أحواض ذات معدل ترشيح عالٍ، وتنمية الآبار الجوفية الموجودة حاليًا بما يضمن عدم جفافها، وإقامة محطات تحلية، وأخرى لتنقية مياه المجارى وتكريرها لأغراض الزراعة، والاستفادة من الدلتا الجديدة للنيل التى تعوم فوق بحر من المياه الجوفية، كشفت صور الأقمار والدراسات الجيولوجية وجودها، وهى تبدأ من ثنية قنا وتتجه شرقًا حتى البحر الأحمر، ثم شمالاً لتضيف ظهيرًا شرقيًا جديدًا لمحافظات قنا وسوهاج وأسيوط، وأيضا كنز المياه المدفون غرب جبل الحلال، الذى يمر بمنطقة السر والقوارير بسيناء، إلى مجرى النيل القديم فى سهل الجلابة غرب كوم إمبو.
لقد آن يا سادة وقت العمل.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع