توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يتهربون من مواجهة المشكلة!

  مصر اليوم -

يتهربون من مواجهة المشكلة

بقلم : أحمد عبدالمعطى حجازي

 حين أقول إن اللغة العربية الفصحى هى لغتنا القومية أعبر عن حقيقة ثابتة مسلم بها لدى كل المصريين،كما تشهد بذلك قوانينهم الأساسية، وتاريخهم الحافل، وثقافتهم الوطنية بكل العناصر القديمة والحديثة التى دخلتها وتفاعلت فيها، ابتداء من الأصول الفرعونية مرورا بتراث الديانات السماوية التى بدأت من مصر، وأقصد اليهودية والتى ظهرت بعد اليهودية ودخلت مصر وتوطنت فيها وتمصرت وأقصد بها المسيحية والإسلام حتى نصل إلى ما نقلناه عن الثقافات الغربية فى هذا العصر الحديث. وبهذه الحقيقة الثابتة نستطيع أن نفسر نجاح المصريين فى اعادة الفصحى للحياة فى القرنين الأخيرين وتزويدها بما كان ينقصها لتتحاور مع الثقافات الأخرى وتستوعبها، وتتبنى ما فيها من مناهج وخبرات واكتشافات وتضيفها إلى ما تملك.

والذين نظروا فى إنتاجنا الثقافى فى المرحلة التى سبقت نهضتنا الحديثة يعرفون أن اللغة العربية الفصحى كانت لغة ميتة أو تكاد تكون، ليس فقط على ألسنة العوام الذين لم يتعلموا القراءة والكتابة، بل أيضا على ألسنة المتعلمين الذين اشتغلوا بعلوم الدين، ومنها اللغة التى لابد أن يتسلح بمعرفتها كل من يريد أن يشتغل بالفقه ويرجع فيه لمصادره، أى للقرآن والسنة ولما قدمه الفقهاء الأوائل فى تفسير هذه المصادر وشرحها وتحديد أصولها وفروعها. ومعنى هذا أن معرفة الفصحى واتقانها وامتلاكها شرط لفهم النصوص الدينية الاسلامية ومعرفتها والتصدى للحديث باسمها. وهذا هو العلم الذى كان يطلبه المصريون فى الأزهر على أيدى رجاله الذين لم يكن فى مصر أو فى غيرها من هو أعلى منهم منزلة فى العصر الذى سبق عصر النهضة. لكننا ننظر الآن فيما تركه لنا هؤلاء السادة من مؤلفات فنكتشف أن لغتهم الفصحى كانت ركيكة رثة، وأنهم كانوا يقعون فى أخطاء فاحشة فى التفكير والتعبير لا نتوقع أن يقع فيها عالم كرس حياته للتخصص فى علوم اللغة والدين كالشيخ الشرقاوى شيخ الأزهر فى السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر، والأولى من القرن الذى تلاه.

يقول الشيخ الشرقاوى سامحه الله فى رسالة كتبها عن تاريخ مصر إن أقصر الفراعنة أعمارا عاشوا مائتى سنة! أما أطولهم عمرا فقد عاش ستمائة سنة! وأن فرعون موسى كان قصيرا طوله ستة أشبار، وطول لحيته سبعة، وأنه بقى على عرش مصر خمسمائة سنة؟!

أما لغة الشرقاوى العربية فكانت من الركاكة والسوقية بحيث يخجل منها طلبة المدارس الآن كما يقول محمود الشرقاوى فى كتابه «مصر فى القرن الثامن عشر».

كيف رُدت الروح للغتنا الفصحى فى القرن التاسع عشر وفى القرن العشرين؟

الفصحى عادت للحياة فى مصر بالتفاف المصريين جميعا حولها وشعورهم الحميم بانتمائهم لها وانتمائها لهم. لأن اللغة ليست مجرد لسان، وإنما هى قلب وعقل ووجدان. والمصريون الذين أخذوا يتكلمون الفصحى منذ أكثر من ألف ومائتى عام ويعبرون بها عن أفراحهم وأتراحهم وآمالهم وآلامهم روضوا الفصحى ومصروها بمختلف الأشكال والصور. نظموا بها القصائد والموشحات، ووضعوا بها السير والأزجال والأغاني، واشتقوا منها لهجة دارجة، وحافظوا فى الوقت ذاته على فصاحة الفصحى التى صارت تمت لمصر بقدر ما تمت اللهجة المصرية الدارجة لأصولها العربية. أريد أن أقول إن اللغة العربية فى مصر بلهجتها الفصيحة ولهجتها العامية لغة واحدة يفكر بها المصريون ويعبرون ويستخدمونها فى حياتهم اليومية وفى نشاطاتهم الوطنية وابداعاتهم الفكرية والأدبية، فلابد أن تتأثر بالواقع الذى تتعامل معه وتعبر عنه.

فى عصر الانحطاط تراجعت الفصحى كما رأينا فى كتابات الشيخ الشرقاوي. وفى عصر النهضة نهضت اللغة كما نرى فى أشعار البارودى وفى كتابات محمد عبده، ومن ظهر فى الأجيال التالية من الشعراء والكتاب والمفكرين. وها نحن نرى أن العربية الفصحى التى عادت للحياة فى عصر النهضة عادت للموت من جديد.

لماذا تراجعت العربية فى مصر بلهجتيها الفصحى والدارجة؟

الإجابة واضحة ومنطقية لمن أحاط بالشرط الذى عادت به اللغة الفصحى للحياة وهو النهضة والروح التى ابتعثتها والمناخ الذى هيأته.

لقد تراجعت الفصحى لأن النهضة المصرية التى أعادت لها الروح وأمدتها بأسباب القوة وهيأت لها المناخ الصالح للنشاط والانتشار والازدهار، هذه النهضة التى عرفها المصريون فى القرنين الماضيين وهم يناضلون فى سبيل الاستقلال والديمقراطية وينعمون بما حققوه فى هذا النضال هذه النهضة تراجعت فى العقود الماضية فتراجعت معها اللغة.

وتكفى الاشارة إلى الحق الطبيعى الذى لا تكون بدونه لغة ولا يكون كلام،

وهو حق كل إنسان فى أن يفكر بحرية وأن يعبر بحرية. هذا الحق المقدس كان دائما مصادر اخلال العقود الستة الماضية التى كان فيها الحكم انفرادا واستبدادا وكانت الثقافة السائدة هى ثقافة الاخوان والسلفيين وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي. فى هذه العقود الستة لم تكن بنا للغة حاجة، لاننا كنا ممنوعين من الكلام، فإن تكلمنا فكلامنا لغو أو ثرثرة أفضل منهما السكوت!

هذا السكوت يعتبره البعض حكما بالموت على اللغة العربية الفصحى ويطالبوننا بأن نعترف بموتها، ونرضى بالعامية وحدها لغة حياة وثقافة. وهذا هو موقف الذين يفضلون أن يريحوا أنفسهم ويتهربوا من مواجهة المشكلة ويستسلموا للأمر الواقع. ولو أننا سرنا وراء هؤلاء واتخذنا هذا الموقف الذى يتخذونه من مشكلة اللغة مع بقية المشكلات التى نعانى منها فى السياسة والإدارة والاقتصاد والاجتماع لبقينا فى أوضاعنا الراهنة التى كافحنا طوال القرنين الماضيين لنخرج منها إلى ما نتمناه لأنفسنا ونستحقه من التقدم المادى والمعنوى الذى تحقق لأمم كثيرة فى هذا العصر ولم يتحقق لنا حتى الآن.

والذين يعتقدون أن الفصحى لغة ميتة يطلقون أحكامهم دون تبصر أو شعور بالمسئولية. لأنهم لا يحددون فى أى مجال ماتت الفصحي، كما لا يحددون فى أى مجال تحيا العامية وتعمل، وفى أى مجال تعجز وتقصر. ولو أننا استجبنا لهؤلاء لكانت مشكلتنا مع العامية أصعب بكثير.

نقلا عن  الآهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يتهربون من مواجهة المشكلة يتهربون من مواجهة المشكلة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon