بقلم - موسى برهومة
تحقق المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل نجاحات متتالية تبعث على الإيمان بأنّ قوة الخير في هذا العالم المضطرب ما زالت نابضة، وأنّ شجرة الحق تضرب جذورها في الأرض، مهما عصفت الرياح.
الحاجة إلى تعزيز قيم العدل تغدو في هذه اللحظات أمراً ضرورياً، بعدما اقترب اليأس من هدم آخر معاقل الأمل، وبعدما عربدت القوة بكل صلف؛ فلم تكتف بالقتل والتشريد وسرقة الأراضي والبيوت وأشجار الزيتون، بل أيضاً سلب التاريخ والذكريات، وتأثيث المستقبل بالأكاذيب.
المقاومة المدنية لمشروع الاحتلال جزء أصيل من نضال الشعوب الحية ضد سائر أشكال الاستعمار والعبودية وتدمير السيادات الوطنية. فعل الأمر في الزمن المعاصر غاندي، وعلى دربه سار مانديلا، وعلى خطاهما تنهض دروب مقاومة مدنية تعمل بوتيرة حضارية من أجل تعرية الظلم والاستبداد، والحيلولة دون تكريم القتلة ومكافأتهم على جرائمهم. بهذه اللغة، خاطبت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، المغنية الأميركية لانا دل راي التي أعلنت، مطلع الشهر الجاري، إلغاء حفلها الغنائي المقرر، ضمن مهرجان «Meteor» للموسيقى في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1948 بالجليل الأعلى.
واستطاعت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) تحقيق نجاحات لافتة، لأنها اعتمدت طرائق إبداعية مبتكرة في مخاطبة الوجدان العالمي، استناداً إلى الوثائق والحقائق ومنظومة حقوق الإنسان، وحق الفلسطيني أن يعيش بحرية وكرامة في وطنه التاريخي. وترمي الحركة، كما يقول موقعها الإلكتروني، إلى «مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها»، حيث نجحت الحركة في «بداية عزل النظام الإسرائيلي أكاديمياً وثقافياً وسياسياً، وإلى درجة ما اقتصادياً كذلك، حتى بات هذا النظام يعتبر الحركة اليوم من أكبر (الأخطار الاستراتيجية) المحدقة به». ومنذ أن صدر في 9 تموز (يوليو) 2005، النداء الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل، والحركة تنمو وتتطور وتؤرق الكيان الإسرائيلي وتعرّي مزاعمه باعتباره «واحة الديموقراطية» في المنطقة العربية.
الحركة حققت منذ انطلاقتها نجاحات تحيي العزائم، كان من أحدثها انسحاب شركة اتصالات فرنسية ضخمة من السوق الإسرائيلي، وفعلت الأمر ذاته كنائس أميركية كبرى، واتخذ الاتحاد الأوروبي تدابير ضد المستعمرات الإسرائيلية، بحيث يمتنع عن تمويل الشركات والجهات الإسرائيلية المقامة في المستعمرات غير الشرعية في الأراضي المحتلة عام 1967. أضف إلى ذلك قيام جامعة جوهانسبورغ عام 2011، بقطع علاقاتها مع جامعة بن غوريون الإسرائيلية استجابة لدعوات من 400 أكاديمي جنوب أفريقي.
وفي عام 2013، قرر العالم البريطاني الشهير الراحل ستيفن هوكينغ الانسحاب من مؤتمر نظّم برعاية الرئيس الإسرائيلي، آنذاك، شيمون بيريز.
وقاطع الكيان الإسرائيلي في هذا السياق آلافُ الفنانين والكتّاب من سائر أنحاء العالم، من بينهم روجر ووترز وأليس ووكر. وقام نجوم مشهورون مثل لورين هيل وإلفيس كوستيلو وفانيسا باراديس بإلغاء عروض لهم كانت مقررة في تل أبيب.
وفي عام 2014، علقت الحكومة التشيلية المحادثات في شأن اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة، بعد حملات من برلمانيين وفلسطينيين مقيمين في التشيلي. كما قطعت بوليفيا وفنزويلا علاقاتهما الديبلوماسية مع إسرائيل، ورفضت البرازيل تعيين أحد قادة المستعمرات كسفير إسرائيلي في البلاد.
الإنجازات كبيرة، ويصعب حصرها في مقالة صحافية. ولعل ما يعانيه الفلسطينيون في هذا اللحظة الصعبة من تراكم مشروعات التسوية وتجفيف منابع الدعم للأونروا، ووضع سيناريوات لحل الصراع مع إسرائيل لا تتسم بالعدالة والمنطقية، يستدعي أن تنشط حركة المقاطعة وحركة المقاومة المدنية لفضح تلك المخططات التي تتعامل مع مصائر البشر والأوطان باعتبارها صفقة تجارية بين شركات. ومن الضروري أن يستلهم الفلسطينيون ويتمثلوا الحكمة العظيمة «إنّا هنا باقون، فلتشربوا البحرا»!
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع