بقلم - عبد الرحمن فهمي
بلا خجل.. أرسلت الحكومة الرشيدة إلى مجلس النواب ميزانية الدولة الجديدة «2018- 2019».. ولم تكتفِ بذلك، بل نشرت ملخصها فى صحف الأسبوع الماضى.. وأكثر من كل هذا تفتخر الحكومة بأنها أكبر ميزانية فى تاريخ مصر!!.. وأقرأ فى الصحف حكاية غريبة.. الأرقام الرسمية تقول إن الإيرادات 989 ملياراً «متوقعة»!! ولكن المصروفات «حجم الإنفاق كما قالوا» تريليون و424 جنيها!! يبقى حجم العجز فى الميزانية كام؟!.. وهل سنلجأ لقروض جديدة؟!.. وهل حجم الميزانية هو حجم الإيرادات- فى حدود معلوماتنا أم حجم المصروفات؟!.. نعم أنا بعيد تماماً عن لغة «الأرقام» وطول عمرى أسقط فى الحساب والجبر والهندسة واللوغاريتمات فى ابتدائى وثانوى.. ولكن نريد أن نفهم من هؤلاء الجهابذة راسنا من رجلينا.. بالشكل الذى أعلنتموه.. العجز فى الميزانية رهيب، وأعتقد أنه أكبر عجز فى تاريخ مصر.. فكيف نفتخر به؟!
هذه أول ميزانية فى الولاية «الجديدة» التى نريدها جديدة فى كل شىء.. وميزانية الدولة هى «أهم شىء»!.
فوجئت مثلاً برقم رهيب فى بند المصروفات اسمه «خدمة الدين»!.. ثم قيل لى خدمة الدين هى الفوائد وما حولها! وليس تسديد أى مبلغ من أصل الدين.. والكارثة فى نفس اليوم خبر فى نفس الصحف أن مصر تتسلم اليوم ملياراً من صندوق النقد تطبيقاً لاتفاقية قديمة، وهذا معناه أن الديون تزيد ثم خدمة الديون ستزيد.. هذا معناه أن الشباب والأجيال القادمة سيغرقون فى الديون وفوائدها وخدمتها!
رقم «خدمة الديون» فى الميزانية رقم رهيب يبتلع أكثر من ثلث الإيرادات! ورحم الله أستاذنا أحمد بهاء الدين.. فى عموده الثابت فى الأهرام كتب بعد معاهدة (كامب ديفيد): يجب أن يكون سداد الديون الخارجية على الأقل هو الخطوة الثانية.. وكان السادات مقتنعاً جداً بهذا الرأى.. وطالب بهاء الكتاب والمفكرين بأن يقترحوا طرق السداد السريع.. ثم اقترح بعد ذلك فكرة «إيجار» أو «بيع حق الانتفاع لسنوات معينة» لقناة السويس على أن نقبض المبلغ كله مرة واحدة فى البداية.. لا أقساطا سنوية لكى نتحاشى الفوائد والخدمة! وكانت كل الدراسات الأولية تؤكد أن المبلغ المطلوب يكفى كل الديون الخارجية، وجزء منه يتبقى أيضاً.. وهناك دول وهيئات تتمنى استئجار أخطر قناة تربط طرفى الكرة الأرضية.. ولكن بهاء تعرض لحملة صحفية وإعلامية قاسية للغاية من الشيوعيين والناصريين.. فقد كانوا ضد السادات فى كل شىء، لأنه حرر مصر من الاستعمار والخراب الذى تركه عبدالناصر.. ولأن السادات اضطر أن يهادن الإخوان ضد صدام والفلسطينيين فى مصر وكل الدول العربية.. كان الهجوم على بهاء من العنف الذى وصل إلى قلة الأدب، فأصيب بهاء بمرض احتار فيه الأطباء حتى مات- رحمه الله.. ولك الله يا مصر.
■ ■ ■
وسبق أن قلت إن قصر البارون إمبان كان ثمنه منذ عدة سنوات ضعف ميزانية مصر، فما ثمنه الآن؟.. بلاها القناة، تعالوا نبِعْ قصرا لم يدخله أحد كل هذه السنوات.. قالوا لى إن أوناسيس وأغاخان ماتا.. البقية فى حياتك. قلت يومها إن هناك من هو أغنى منهما الآن.
وقلت إن شركة «والت ديزنى» تريد مساحة أرض ثلاثة أضعاف مساحة مدينة نصر، وفى المكان الذى ستختاره.. وقلت اتصلوا بالسفارة الأمريكية رأساً بعيداً عن السماسرة إياهم.. ولم يسمع أحد الكلام.
كلمه أخيرة: تسديد ديون مصر لنشم نفسنا مثل باقى خلق الله.. خير ما نقدمه لمصر وللأجيال القادمة.. خير من كل ما فعلناه وما نفعله الآن.. ولكن هل هناك من يسمع الكلام؟!
نقلا عن المصرى اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع