أولاً: صدر يوم 3 سبتمبر الماضى حكم هيئة تحكيم دولية تابعة للبنك الدولى ضد شركة مصرية للبترول والغاز مملوكة للدولة بدفع مبلغ يزيد قليلاً عن 2 مليار دولار إلى شركة إسبانية إيطالية. كانت هذه الشركة فى عهد مبارك قد أبرمت اتفاقاً مع الحكومة المصرية بإنشاء مصنع كبير فى دمياط لتسييل الغاز الطبيعى وتصديره إلى أوروبا، وتعهدت مصر بتوفير الغاز. ولكن اتضح أن مصر عندها عجز كبير فى الغاز مما أدى إلى وقف ضخ الغاز إلى المصنع الذى توقف عن العمل وأدى إلى خسائر للشركة. وأصدرت وزارة البترول بياناً يقول إنه جارٍ اتخاذ الإجراءات للحفاظ على حقوق الدولة المصرية.
ثانياً: فى مايو 2017 حصلت شركة الكهرباء الإسرائيلية على حكم من هيئة تحكيم دولية بتغريم مصر حوالى 3 مليارات دولار بسبب انقطاع الغاز الذى تعهدت مصر بتوريده منذ عام 2012، ورفضت محكمة سويسرية الاستئناف المقدم من مصر. وكنا قد تعهدنا بتوريد الغاز إلى شركة الكهرباء الإسرائيلية لمدة 20 عاماً، ولكن بدأت مجموعات فى تدمير خط الغاز قبل ثورة 25 يناير وتم إصلاحه أكثر من مرة. ولكن التدميرات زادت فى سيناء بعد 25 يناير ومنذ 2012 توقف تصدير الغاز بسبب التدمير الذى حدث للخط بالإضافة إلى السبب الأهم وهو حاجة السوق المحلية إلى الغاز.
و قد اتهمت مصر الشركات الإسرائيلية بعدم دفع المستحقات المالية للغاز مما أدى إلى إيقاف التصدير وفسخ العقد، إلا أن مصر خسرت هذه القضية.
ثالثاً: هناك وثائق تؤكد أن هناك عددا كبيرا من قضايا التحكيم ضد مصر مرفوعة الآن وقد يبلغ عددها عشرين قضية وهناك احتمال إذا كان موقف مصر ضعيف فى هذه القضايا أن نخسرها جميعاً ولا نعلم بدقة الموقف والمبالغ ولكنها فى الأغلب شديدة الضخامة.
رابعاً: قرأت أن مكتب المحاماة الأمريكى وهو محامى مصر فى القضية الأخيرة كتب فى دفاعه أن المسؤولين المصريين الذين وقعوا العقد كانوا فاسدين. لا أعتقد أن هناك دولة تدافع عن نفسها بأنها فاسدة. لا بد للمسؤولين من التأكد من تفاصيل وثيقة الدفاع لأنه لو كان ذلك صحيحاً فواضح لماذا خسرنا القضية. وقد سألت محاميا دوليا كبيرا فأخبرنى أن الدفاع كان يجب أن يركز على أنه كانت هناك ثورة وصاحبتها الفوضى ولذا كان توقف الغاز خارج إرادة الحكومة.
خامساً: واضح من القضيتين أنه كان هناك فساد كبير جداً فى هذه الفترة وأنه كان معروفاً أن مصر تحتاج لاستيراد الغاز وليس تصديره وواضح أن العقد الأول مع إسرائيل كانت فيه شركة مصرية إسرائيلية استفادت من هذه الأوضاع. وقد قدم عدد من المسؤولين المصريين إلى المحاكمات، وصدرت أحكام بالبراءة والإدانة فى المحاكم المصرية، وتمت مصالحات، ولكن واضح أن صالح الوطن لم يكن فى الحسبان.
سادساً: بالنسبة للشركة الإسرائيلية فقد تم الاتفاق على أن تستورد مصر ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز على مدى عشر سنوات لتسييل الغاز فى مصر ويقال إن جزءا من الاتفاق يحتوى تسوية الحكم السابق وأن يتم دفع 2 مليار دولار فى صورة غاز طبيعى عبر عدة سنوات.
مصر كانت تستورد الغاز بكميات كبيرة فى السنوات الأخيرة ولكن من المتوقع أن تصدر مصر الغاز بعد الاكتشافات التى ظهرت فى الساحل المصرى فى البحر المتوسط وقد بدأ حقل ظهر فى الإنتاج فى ديسمبر الماضى وبه مخزون احتياطى كبير.
سابعاً: الغرامات التى سوف تدفعها الدولة المصرية عن طريق دفعات من الغاز مقابل هذه المبالغ، هى خسارة فادحة، والحقيقة أن أجيالاً من شباب وأطفال المصريين سوف يدفعون هذه الأموال من عرق جبينهم وكل ذلك بسبب فساد وعدم وطنية من قام بتوقيع هذه الاتفاقيات.
ثامناً: بالنسبة للمستقبل، يجب أن يقوم مجلس النواب وهو الجهة الرقابية المنوط بها دراسة ما حدث بمشاركة مكتب مصرى وطنى عنده خبرة ليعطى النصيحة بالنسبة لبقية القضايا المرفوعة حتى نقلل حجم الخسائر ولا نفاجأ كل فترة بغرامة ضخمة من دم الشعب المصرى.
تاسعاً: يجب أن تنوخى الدقة فى جميع تعاقداتنا الدولية وأن يكون بها شفافية كاملة، ونلتزم بما اتفقنا عليه. ولك الله يا مصر.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع