هل صحيح أن تحيز بعض مواقع الميديا إلى نوعية الروايات غير الصحيحة التى تنشرها وسائل التواصل الاجتماعى، يغذى هذا الانتشار وأنها تفعل ذلك لأنها وجدت المشاهد تستهويه الروايات المثيرة؟.
هذا التساؤل كان ضمن ما اعتبره المتخصصون قضية عامة لا تخص دولة دون غيرها، وهم يعكفون على مناقشاتهم لها بشكل تفصيلى، فى إطار السعى لتحديد النتائج الإيجابية والسلبية، للانتشار المجتمعى لوسائل التواصل الاجتماعى، وبعد أن أظهرت الدراسات أن حوالى 45% من الشباب فى الغرب يعتمدون على الفيس بوك مصدراً لمعلوماتهم.
يضيف المختصون الذين يناقشون هذه القضية سؤالاً آخر هو: هل تقوم وسائل التواصل الاجتماعى بعملية غسيل مخ لمستخدميها؟.. وكان السؤال مرتبطا بما تأكد لهم من أن حوالى 50% من الأخبار والروايات التى يقرأها المتعاملون مع النت هى ما ينطبق عليها وصف «الأخبار الكاذبة».
فى هذا السياق كانت هناك قراءة لهذه المعلومات على ضوء ما قيل من أن مات هنكوك، الوزير المختص لاستراتيجية الوسائل الرقمية فى بريطانيا، أصبح الأن يشعر بالسعادة بعد أن أقدم على قطيعة مع وسائل التواصل الاجتماعى لعدة ساعات يوميا، من لحظة دخوله من باب بيته، تاركاً تليفونه المحمول خارج البيت.
ومنع أولاده من استخدام النت مصدراً لمعلوماتهم. وهو ما نشرته صحيفة التايمز البريطانية. ولم يختلف عن هذا التصرف، القرار الذى اتخذه الرئيس الفرنسى ماكرون بتحريم وجود التليفون المحمول فى المدارس.
فى تيار الاهتمام بتلك القضية، أجرت جامعة هارفارد دراسة تقول: من السهل كشف الكذب عندما يأتى من شخص واحد. أما إذا وجدنا على وسائل التواصل الاجتماعى تدفقاً للأكاذيب التى يشترك فى إطلاقها المئات دفعة واحدة، عندئذ يصبح من الصعب على المتلقى التمييز بين ما هو صحيح وما هو زائف.
جيمس وايد أحد علماء النفس فى بريطانيا، قال إن الإفراط فى إدمان الموبايل يقهر الإبداع، وأحيانا يزيد الشعور بالقلق والاكتئاب.
كل ذلك كان وراء قيام المختصين برصد الآثار السلبية والإيجابية لهذه الوسائل، وبوضع قواعد ملزمة فى بيوتهم لأولادهم، تحدد لهم الوقت الذى يقضونه مع الكمبيوتر، وتلقى المعلومات من الموبايل.
بالطبع لم ينكر هؤلاء الخبراء النواحى الإيجابية لهذا الوافد على الحياة العامة والخاصة، والذى جذب الكثيرين للالتفاف حوله، ولكنهم وتفادياً لكل ما هو سلبى، يقدمون لمستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى نصائح بشأن كيفية التعامل معها، وكانت نصيحتهم: تعلم كيف تستخدم هذه الوسائل ولا تتركها هى التى تستخدمك، مشيرين إلى ما أكدته مناقشات ودراسات المختصين من أن المبالغة فى الاعتماد على هذه الوسائل تخلق نوعاً من الحلقة الضيقة حول المتلقى الذى يصبح مأخوذاً إليها، وهو ما يمكن أن يغلق عقله عن التفكير النابع من ذاته، وبما يقترب بدرجة ما من عمليات غسيل المخ.
لا خلاف على أن هذه الوسائل أدخلت تطوراً مذهلاً فى كيفية الوصول إلى المعلومات، وفى لحظات قصيرة جدا، وكان ذلك من أهم ثمار عصر ثورة المعلومات، وتلك نتائج إيجابية مفيدة، لكنها فى نفس الوقت سحبت المتلقى خارج دائرة التواصل، على الأقل مع أفراد أسرته، وكل منهم منكب على أداته، سواء كانت النت أو الموبايل، بشكل يضعف من التواصل الأسرى والمجتمعى.
ومازالت المناقشات والدراسات تدور فى الغرب، مدفوعة بقلق متزايد من التأثيرات السلبية، وبعد أن تأكد أن الانتشار فائق السرعة للروايات الكاذبة والملفقة، يساعد عليه تراجع معدلات الاقبال على القراءة، وحيث أصبح يجرى تبادل لهذه الأخبار والروايات بين الأفراد وبعضهم، وهو ما يشكل شيوعاً لمعلومات لا تقتصر مصادرها على أفراد عاديين، بل تتدخل فى عملية تسريبها أطراف أجنبية، تهتم أجندتها بالاستحواذ على عقل المتلقى، طالما أنها تجد أمامها ساحة مفتوحة بلا أسوار أو حدود.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع