بقلم - ملك زعلوك
أخذت الشراكة بين الجامعة (وكليات التربية تحديدا) والمدرسة أشكالا متنوعة عبر الزمن بحسب الهدف منها. ومن أهم الأهداف العامة والتى أكدت على أهمية الشراكة بين هاتين المؤسستين عملية التطوير التربوى على مستوى المدرسة وكذلك على مستوى كليات التربية. فكرة إلحاق مدارس بعينها إلى كليات التربية فكرة قديمة وصف البعض هذه المدارس بأنها «إكلينيكية» ووصفها آخرون «بمستشفى التعليم» والبعض الآخر يسميها «مدارس تجريبية أو معملية». وظهر هذا الفكر والذى تلاه ممارسة فعلية فى القرن التاسع عشر بريادة عميد التربويين على المستوى العالمى جون ديوى. فقد أنشأ هذا الأخير معمل دراسى Laboratory school فى جامعة شيكاجو عام 1896 ثم تلا هذه الخبرة الأولى خبرات أخرى فى جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات فى الولايات المتحدة. وبات الهدف من إلحاق هذه الجامعات بالكليات إحداث تغيير فى طرق التدريس وفلسفة التعليم والمناهج وهيكل وتنظيم المؤسسات التربوية نحو مزيد من الواقعية والاقتراب من الحياة المدرسية عند إعداد المعلمين ليصبح هناك حوار وعلاقة واضحة بين النظريات التى تدرس فى الجامعات والممارسات الفعلية داخل المدارس. وكل ذلك بغرض إحداث فرص للتشارك فى التعلم التعاونى بين المؤسستين وإجراء البحوث وبناء نظريات تربوية نابعة من الواقع المعاش وكذلك التأكيد على التنمية المهنية المستدامة للمعلمين مما يلزمهم على مواكبة الحديث فى الأداء والنظريات ويشجعهم على التعلم مدى الحياة فى إطار علاقة مؤسسية رسمية حميمة مع الجامعة. وتؤكد هذه العلاقة على بعض المبادئ ومنها حتمية وضرورة التكامل والتعاون بين أساتذة الجامعات والممارسين فى حقل التعليم فى تطوير فلسفات ونظريات التعلم وأفضل التطبيقات والممارسات، ولقد تبنى إسماعيل القبانى، أحد رواد الإصلاح التربوى فى مصر فى النصف الأول من القرن الماضى، هذه الأفكار وأنشأ بدوره مدارس ملحقة بالجامعة سميت فى حينها بالمدارس التجريبية ومنها أشهر المدارس الناجحة مثل مدرسة الأورمان والنقراشى.
***
وفى التسعينيات من القرن الماضى سميت هذه المدارس «بالمدارس المهنية» نسبة إلى إسهامها فى تجويد وتطوير مهنية المعلمين ومن أشهر هذه التجارب تجربة مجموعة هولمز Holmes والتى تم تقييمها عبر العديد من الدراسات والتى أكدت على قدرة هذه المدارس على إرساء تحولات عميقة فى أداءات المعلمين إلى إنجاح التطوير المنشود على صعيدى النمو المهنى للمعلم فى مرحلة الإعداد الجامعى وكذلك فى التنمية المهنية أثناء الممارسة وأكدت حركة «المدارس المهنية» على عدد من المبادئ ومنها نشر ثقافة التعاون والشراكة بين الكلية والمدرسة من أجل الإعداد الجيد والنمو المؤكد لأداءات المعلمين داخل دائرتهم المهنية. وأكدت هذه الحركة كذلك على أهمية التحول والتحديث والابتكار وذلك من خلال عادات عقلية ووجدانية هامة وعلى رأسها التفكر والتأمل والتحرى والبحث العلمى. ويعتمد نجاح هذه التجارب على وجود اتفاقيات رسمية وهياكل معاونة وكذلك مجتمعات تعلم عبر المؤسسات وكذلك مرشدين تربويين ومعاونين على جميع المستويات.
***
تبنى معهد الشرق الأوسط للتعليم العالى بالجامعة الأمريكية مبدأ الشراكة بين الجامعة والمدارس وقد بدأ مشواره فى هذا الاتجاه منذ عام 2012 حيث بدأ مشروع بحوث الفعل فى جميع المدارس ARAS. واعتمد هذا المشروع على شراكة واسعة بين وزارتى التربية والتعليم والتعليم العالى وتعاقد المشروع مع تسع كليات تربية ومنها: أسوان، أسيوط، المنيا، حلوان، عين شمس، القاهرة، الإسكندرية، قناة السويس بالإسماعيلية والمنصورة. حيث تم تدريب طلبة الدراسات العليا على إجراء بحوث الفعل لنيل درجات الماجستير والدكتوراه شرط أن تكون بحوثهم العملية نبع عنها نتائج ملموسة على أرض الواقع وتسببت بشكل علمى ومدروس فى تطوير جوانب حيوية من أداءات المعلمين والمؤسسة التعليمية. ولقد تم تقييم المشروع على يد فريق من الخبراء المصريين من مراكز بحثية وتقييمية وأسفرت الدراسة التقييمية عن نواتج إيجابية على الصعيد العملى فى نحو 100 مدرسة وكذلك على الصعيد العلمى فى نشر ثقافة بحوث الفعل كممارسة هامة فى تحول أداء المعلمين.
وفى مرحلة لاحقة نسق معهد الشرق الأوسط للتعليم العالى بالجامعة الأمريكية، مشروع أخر معنى بالشراكة بين المدارس والكليات فى إطار مبادرة من الاتحاد الأوروبى TEMPUS وقد شارك فى هذا المشروع 14 مؤسسة عربية وأوروبية وركزت هذه المبادرة على ثلاث مداخل للشراكة بين المدرسة والكلية.
المدخل الأول: حول تعميق ممارسة بحوث الفعل لدى التربويين لإحداث التحولات التربوية بناء على المنهج والبحث العلمى.
المدخل الثانى: حول تطوير منظومة التربية العملية والعمل الميدانى داخل المدارس أثناء إعداد المعلمين داخل الكليات.
المدخل الثالث: مساندة المدارس فى تنمية قدرات المعلمين مهنياَ أثناء عملهم داخل المدارس. وبناء على التقييم للمشروع فهناك نتائج تبشر بإحداث تحولات عميقة فى طريقة الإعداد لدى الجامعات المشاركة (أسيوط – الإسكندرية – حلوان) وتناول الممارسات أثناء العمل فى المدارس إلا أن هناك احتياج لمزيد من الجهد والعمق فى هذا الاتجاه حتى نلمس نتائج مؤكدة.
***
ومنذ عام نصف استمر معهد الشرق الأوسط للتعليم العالى فى محاولته لترسيخ الشراكة بين المدرسة والكلية من خلال مشروع أخر فى إطار التعاون مع الاتحاد الأوروبى تحت ERASMUS+ وسمى المشروع «الشراكة بين المدرسة والجامعة لإنشاء مجتمعات للتعلم» School University Partnership for SUP4PCL Peer Communities of learners. يشارك فى هذا المشروع أربع كليات تربية من مصر (حلوان – الإسكندرية – عين شمس – الجامعة الأمريكية) وأربع كليات تربية من دول أوروبية (بريطانيا – أيرلندا – ألمانيا) ويعمل المشروع على مأسسة الشراكة بين كليات التربية والمدارس المحيطة بها فى شكل «مدارس مهنية» وقد تم توقيع إتفاقية تعاون بين وزارة التربية والتعليم والتعليم العالى لتفعيل هذه الشراكة بشكل رسمى. وقد أسفر هذا المشروع عن تحويل 15 مدرسة إلى مدارس مهنية إلى الأن، وتمتد الدائرة حتى تصل إلى 45 مدرسة مهنية فى الشهور المقبلة، ويقوم أعضاء هيئة التدريس فى كليات التربية من حلوان وعين شمس والإسكندرية بدعم هذه المدارس بالتنمية المهنية المستدامة وبالخبرات العالمية حول أفضل طرق التعليم المتمحور حول التلاميذ والتعلم النشط والمبنى على حل المشكلات وكذلك أفضل السبل لدمج المناهج حول قضايا عالمية ومصرية مثل التنمية المستدامة والقضايا المرتبطة بالأهداف الإنمائية وكذلك دمج أنشطة العلوم والهندسة الرياضيات والفنون STEAM. يتم ذلك من خلال زيارات وحوارات منتظمة وبحوث مشتركة بين الطرفين وكذلك بناء نظم للدعمو الإرشاد بين الكلية والمدرسة لإجراء تحول فعلى على أرض الواقع فى شكل الأداء وابتكارية المواد وخطط التدريس. ويتم دعم هذه المبادرة بأحدث الممارسات الدولية وكذلك باستخدام التكنولوجيا للتواصل والبحث والابتكار. وسوف تلتزم جميع الممارسات بمعايير ومواصفات خريجى كليات التربية والتى يجب أن ترشد وتوجه الجهود المشتركة للتطور سواء على صعيد الكلية أو المدرسة نحو معلم عصرى يدقق ويتفكر ويبحث ويمارس وفق أحدث تفسيرات مهارات القرن الحادى والعشرون. إذا ما تم تعميم هذه الشراكة فلسوف تنجح فى معاونة المعلمون على التحول المنشود وكذلك سوف تنجح فى تحقيق التوجهات العالمية نحو مجتمعات التعليم والتعلم مدى الحياة.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع