بقلم - علي القاسمي
تنطلق اليوم أعمال القمة العربية الـ29 بمدينة الظهران السعودية، لتدخل الظهران وللمرة الأولى مع قائمة المدن العربية الحاضنة لقمة عربية، إلا أنها هذه المرة قمة غير عادية، ولأول مرة تدعو دولة عربية إلى قمة بمثل هذا المستوى. هذه القمة تأتي في وقت شائق ومعقد وصعب، تتداخل فيه عدد من الملفات الساخنة، أو تتكاثر الأوراق الجديرة بالنقاش والمواقف الصلبة، قد يأتي الترتيب مختلفاً بين رأي ورأي حيال جملة الملفات العربية وأيها يستحق أن يتصدر الطاولة ولماذا؟ لكن الحقيقة الموجعة أن الوضع العربي ليس على ما يرام ولن يكون كذلك، بل إن مؤشرات الانزلاق العربي لا تخفى على متابع، والحاجة باتت أشد ما تكون لوحدة صف حقيقية وترميم واسع لمجمل الدمار الذي يحيط ببلدان عدة ويترك الجراح متناثرة هنا وهناك من دون أي جهد موحد لرأب الصدع، وعمل نوعي في مواجهة التـــــحديات والتهديدات التي تحيط بالمنطقة.
نتجه لفلسطين فنجد القضية باتت معقدة وشائكة. نتحول إلى سورية والعبث المستمر وحالة الصمم التي يعيشها النظام من لحظة فتكه بالشعب. اليمن وما أدراك ما اليمن أزمة وتصعيد ومــغالطات وفوضى حقيقية. إيران «محور الشر» الحقيقي واستمـــرار التدخلات والعبث في عدد من البلدان. ليبيا تستيقظ كل صــباح على حالات من الارتباك والأوضاع المتذبذبة والمـــقلقة. الــعراق يحاول النهوض ونــسيان الماضي والعودة بقوة لوطن عربي والإسهام في أمنه القومي وتوازنه ومشروع سلامه اللازم والواجب. الإرهاب والجهود التي لا بد أن تحاط بكل الإمكانات البشرية والــمادية وتعزز بتعاضد وتكاتف مشرف للحيلولة دون أي مشروع توسعي ومحاولات بائسة لشق الصف العربي والتسلل للشعوب وتدميرها.
من المنتظر من قمة الظهران أن تخرج من روتين القمم العربية، وتظهر بإرادة عربية مختلفة في ظل الظروف الدقيقة والأجواء غير العادية. التعقيدات من دون شك ليست يسيرة، ويحاول البيت الكبير (السعودية) أن يخطو مع الجميع نحو محطات تفاؤل وتستوعب مع هذه الخطى متطلبات المرحلة الجديدة. السعودية مهد التوافق ويقع عليها دوماً عبء فك تعقيدات الوطن العربي وقضاياه المتعددة والمتوزعة والمتناثرة، والتمهيد الدائم لمسار عمل مشترك وموحد. ثمة حاجة ماسة بالفعل لتعاضد عربي في وجه الشر وكبح كل النوايا المريضة والمخططات المختلة، وإيقاف كل المرتزقة عند الحد الذي يجب أن يقفوا عنده.
على وطننا العربي أفراداً وشعوباً أن يؤمنوا بأنه لا يمكن لأحد أن يرتب البيت العربي بنقاء أكثر من أهله، وأنه لن يصنع لنا التحولات الشجاعة والجريئة أحد غيرنا. ولذا لا يعقل أن نتوقع جواراً حسناً ولا وعوداً طرية ونوايا طيبة من نظام إرهابي تتبجح عمائمه وملاليه بأن عواصم عربية باتت في قبضتهم. المستقبل لا يحتمل مزيداً من الألعاب والخيانات والضمير المستتر. الوطن العربي بإمكانه قلب الطاولة في وجه من لا يراه سوى لعبة ولا يتعامل معه إلا كمنطقة إحراق وتدمير ومصالح. ولكن، الأنظار نحو الظهران ومستقبل عربي أقل تعقيداً وغموضاً ونزيفاً.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع