لنتفق مبدئياً على أمرين، الأول: أن كل ما يملكه المواطن أى مواطن يشكل فى النهاية «ثروة قومية» لا يصح أبداً لأى أحد أن يبددها سواء عن عمد أو نتيجة سوء تصرف.. ومن هنا فإن ما يمتلكه المواطن من وسيلة مواصلات أياً كان نوعها: سيارة.. موتوسيكل.. أو حتى دراجة يدخل فى هذا الإطار.. والثانى: أنه من البديهى أن انتظار بعض المحافظين للتوجيهات سواء من رئيس الجمهورية أو من رئيس وزرائها فى صميم اختصاصاتهم وحدود مسئولياتهم ليبدأوا ممارسة ما جرى تكليفهم بمتابعته، فذلك يعتبر تقصيراً واعترافاً صريحاً من جانبهم بتنازلهم عن الموقع الذى جرى اختيارهم لشغله وإعلاناً من جانبهم بإخفاقهم فيما جرى تكليفهم به لرعاية شئون المواطنين وحل مشكلاتهم والحفاظ على ممتلكاتهم حتى وإن لم يعلنوا ذلك أو يكشفوا عنه أو ينطقوا به!
المقبل لأول مرة إلى مصر ربما يتخيل أننا بلد ينفق 90% من دخله القومى على إقامة «المطبات الصناعية» فى الشوارع بزعم الإقلال من سرعة السيارات، حفاظاً على حياة قائديها والمارة، غير أن واقع الحال يؤكد أن ذلك لا يعدو أن يكون «من حسن النوايا» التى لا تتحقق، وفق تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، الذى كشف عن أن ٤٠٪ من حوادث الطرق فى مصر تقع بسبب المطبات، سواء التى تقام وفق المواصفات القياسية -وهى تمثل الأقلية- أو تلك «العشوائية» التى تنتمى للأغلبية الموجودة فى كافة الطرق والميادين، بما فيها حتى الحارات التى تظهر فيها السيارات كـ«ضيف شرف أو كومبارس» يمر من أمام الكاميرا فى أى فيلم سينمائى..!!
ووفقاً لتقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فإن التكلفة المقدرة لحوادث السيارات خلال عام ٢٠١٥ بلغت نحو ٣٠.٢ مليار جنيه، وأن إجمالى عدد هذه الحوادث بلغ ١٤.٥ ألف حادثة عام ٢٠١٥ بنسبة زيادة ١٪ عن عام ٢٠١٤، على الرغم من وجود هذه المطبات..!
ما يصادفه قائدو السيارات أشبه بتلك المصايد أو «الحفر المموهة» التى ينصبها سكان الغابات لاصطياد فرائسهم.. حواجز أسمنتية تقطع الطريق بصورة فجائية يزرعها أى مواطن سواء أمام مدخل بيته أو المحل الذى يمتلكه.. حتى «باعة الجرجير والخبز» يقيمونها أمام أماكنهم فربما يجبرون بها أى مواطن عابر على الشراء منهم !! غير أن ما يحدث فى واقع الحال يكشف أن ذلك المواطن لا ينتبه إلى بضاعتهم، إذ إنه إما أن يكون قد دخل فى «غيبوبة عميقة» يرقد على أثرها فى أحد أقسام الرعاية المركزة فى أى مستشفى، وإما أن يكون «مشغولاً» بفحص الأضرار التى أصابت سيارته بعد أن يصب لعناته على من أقام هذه المطبات..!! إذا كان من «سعداء الحظ» ونجا بحياته من الحادث الذى وقع.
معظم هذه المطبات يتبع المحليات، وقليلها يضع هيئة الطرق والكبارى تحت طائلة المسئولية، نظراً لعدم مطابقتها للمواصفات القياسية، فالحواجز التى يقيمها الأهالى تفتقد أبسط هذه القواعد المفترض الالتزام بها، إذ لا تعدو أن تكون «خلطة عشوائية» من الحجارة والأسمنت، لتصبح بالتالى وسيلة لتفكيك السيارة وإصابة قائدها وركابها بحالة أقرب إلى «الارتجاج فى المخ أو الشلل الرعاش»، إذ يفاجأ بها قائدو السيارات فى طريقهم دون سابق إنذار أو علامة قبل اصطدام سياراتهم بها، ما قد يفقدهم حياتهم وأسرهم أو على الأقل يعرضهم للخطر، لتمثل هذه المطبات الصناعية فى النهاية كارثة تهدد أرواح المواطنين وممتلكاتهم!!
قبل نحو أسبوع وتحديداً يوم الأربعاء الماضى طرحت لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب «قضية المطبات العشوائية» على الطرق للمناقشة، بعد نحو 6 أشهر من لفت الرئيس السيسى الأنظار إليها، وأيضاً فى ضوء توجيهات رئيس الوزراء للمحافظين -فى نهايات العام الماضى- ومطالبتهم بإزالة جميع المطبات العشوائية على مستوى الجمهورية..!
كان الرئيس قد سبق أن أشار -فى أحد لقاءاته الشبابية فى سبتمبر الماضى- إلى أن حجم المطبات الصناعية الموجودة بالمحافظات «معيق للحركة ومؤذ»، لأن مواصفاته غير جيدة، وطرح الرئيس مسابقة للجامعات والمدارس قبل العام الدراسى الجديد: «نحتاج عمل مسابقة للطرق وناخد 3 أو 6 شهور ونشوف المحافظات هتساعد نفسها إزاى عشان يعرفوا إن مفيش حاجة بتتعمل كده، وكل واحد يعرف هو فين من الطرق، ولو قصرنا.. انتوا كمان هتقصروا مع محافظتكم».. هكذا قال الرئيس.
وتحت قبة مجلس النواب أوصت لجنة الإدارة المحلية فى الأسبوع الماضى بضرورة التنسيق بين الهيئة العامة للطرق والمحافظات ورؤساء الأحياء، بحيث يتم تصميم «مطب صناعى من البلاستيك» أمام المدارس والمستشفيات، على أن يتم ربطه بـ«مسامير» بطريقة هندسية، باعتبار أن المطبات العشوائية تتسبب فى إهدار الأسفلت، ما يكلف الدولة أموالاً طائلة.. على حد توصياتها.
ولأن استمرار المطبات بهذه الصورة العشوائية يمثل تكلفة واضحة بالنسبة للحكومة والدولة وتهديداً واضحاً لحياة المواطنين، فقد سبق أن أعلن الدكتور هشام عرفات، وزير النقل، فى شهر نوفمبر الماضى -قبل استقالته من منصبه- بدء حملة ضخمة للوزارة ممثلة فى هيئة الطرق والكبارى لإزالة المطبات العشوائية من الطرق السريعة، وذلك بالتعاون مع المحافظات والوحدات المحلية والمرور والمجتمع المدنى، لافتاً إلى أن ذلك بهدف الحفاظ على حياة المواطنين وتحقيق السيولة المرورية المطلوبة فى هذه الطرق إلا أن هذه الحملة لم تبدأ حتى الآن..!
وقبل أن يحمل البريد رداً من جانب بعض المحافظين أو الجهة المسئولة عن زرع مثل هذه «الكمائن» فى الطرق يوضح أهميتها فى الإقلال من الحوادث، أقول إن مثل هذه «المتاريس» تؤدى إلى زيادة أعداد الضحايا بعد أن يضطر قائد السيارة إلى الوقوف فجأة لمحاولة القفز بسيارته من فوقها بعد أن يُفاجأ بوجودها، لتتحول سيارته فى لحظة إلى مجرد «حبة» من بين «حبات مسبحة» تتشكل من السيارات العابرة، إذ إن أغلب هذه المتاريس لا يتم «طلاؤها» بلون فوسفورى يميزها فى الشوارع المظلمة وما أكثرها..!!
وختاماً فإنه يبدو أن قضية «المطبات العشوائية» قد دامت سنوات دون أى حل للتخلص منها انتظاراً للفريق كامل الوزير «رجل المهام الصعبة»، الذى جرى تكليفه بملف النقل ليضع كلمة النهاية لها.. فإذا كان بعض «حسنى النية» من مواطنينا يستهدفون الحفاظ على حياتهم وأبنائهم إلا أن «حسن النوايا» عادة ما يصبح طريقاً إلى وقوع «كارثة» فى نهاية الأمر.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك وأبنائك السلامة دائماً..!
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع