بقلم - د. خالد بن نايف الهباس
تستضيف المملكة العربية السعودية في مدينة الدمام، يوم الأحد المقبل، القمة العربية التاسعة والعشرين في وقت تستمر فيه الاضطرابات السياسية الإقليمية، حيث لا يزال هناك عدد من القضايا والأزمات العالقة من دون حلول فعلية، الأمر الذي يجعل القادة العرب مطالبين باتخاذ قرارات جريئة حيالها، من أجل تجاوز الخلافات حول بعض الملفات، وتعزيز التنسيق ودفع عجلة التضامن العربي إلى مستويات أكبر، أخذاً بعين الاعتبار جسامة التحديات وتعددها، إضافة إلى تعزيز آليات العمل العربي المشترك في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. ويأتي احتضان المملكة لهذه القمة ليشكل بحد ذاته بارقة أمل للخروج بنتائج تلامس طموحات المواطن العربي عطفاً على الثقل السياسي والاقتصادي والروحي الذي تتمتع به، والدور القيادي الفعال الذي تضطلع به السياسة الخارجية السعودية، وما أبدته من «مواقف حازمة» تجاه ما يواجه الأمن القومي العربي من تحديات في الآونة الأخيرة.
من هذا المنطلق فإن أجندة القمة حافلة بالكثير من الملفات التي تعكس صعوبة الواقع السياسي العربي، وخاصة في الجانب السياسي والأمني منه. ولعلنا نشير إلى ما تواجهه القضية الفلسطينية من تحديات جمة تزايدت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، بدت معها آفاق السلام مسدودة، ما يشي بضرورة اتخاذ موقف عربي موحد يأتي استمراراً للقرارات العربية التي اتخذت مؤخراً لمساندة الإخوة الفلسطينيين فيما يواجهون من تحديات وصعوبات، حيال مسيرة السلام وكذلك الوضع القانوني والتاريخي للقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة، والدعم اللازم لكافة جوانب العمل الفلسطيني تجاه ما يتعرضون له من تجاوزات من قبل إسرائيل ومن يناصرها من الدول الأجنبية.
كما أن الأزمات الأخرى لا تقل تعقيداً وخطورة بعد مضي سنوات عدة على اندلاعها سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا، وتزايد تكلفتها المادية والبشرية دون حلول سياسية تذكر، في ظل تخاذل واضح من المجتمع الدولي وعجز غير مسبوق من مجلس الأمن، الجهاز الأممي المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين. فالأزمة السورية دخلت عامها الثامن ولا تزال وتيرة العنف مستمرة، ولا تزال القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة حبيسة داخل أروقة المنظمة الأممية، دون تنفيذ ولو بسيط لمضمونها، سواء لوقف القتال والعنف ضد السوريين أو لإيجاد حل سياسي لهذه الأزمة وفقاً لمخرجات بيان جنيف 1 لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأهمها القرار 2254 (2015).
الوضع في اليمن أيضاً يتطلب المزيد من العمل، في ظل ما تقوم به ميليشيا الحوثي الانقلابية من تجاوزات وما آلت إليه الأمور بسبب انقلابها على الحكومة الشرعية، بالتالي انحراف البوصلة السياسية في اليمن بعد أن شكلت مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومخرجات الحوار الوطني طريقاً سياسية ناجحة لحل الأزمة ومساعدة اليمن للخروج من عنق الزجاجة. ولا يفوتنا القول إن الدعم الخارجي لقوى الانقلاب، وخاصة من قبل إيران، وما يشكله ذلك من تهديد لأمن اليمن وللأمن القومي العربي برمته يستوجب المزيد من التضامن، ويظل الأمل معقوداً على ما يقوم به التحالف من جهود لتهيئة الأرضية لحل سياسي في إطار ما تضمنه قرار مجلس الأمن 2216 (2015) والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني، ومن خلال ما يبذله المبعوث الأممي إلى اليمن من جهود. من ناحية أخرى، يظل الوضع في ليبيا يواجه صعوبات يبدو أنها بدت أكبر مما كان يتوقع المبعوث الأممي إلى ليبيا، ولا يزال الفرقاء الليبيون غير قادرين على تجاوز خلافاتهم، وإجراء التعديلات الضرورية والمطلوبة لتنفيذ الاتفاق السياسي الليبي الموقع في 2015 في مدينة الصخيرات المغربية. لا نشك في أن مزيداً من الجهد العربي يبدو مطلوباً لمساعدة الإخوة في ليبيا للخروج من أزمتهم، وعليهم أيضاً العمل على توحيد الكلمة وتجاوز خلافاتهم وإعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات مصلحية أو سياسية ضيقة.
لا بد أيضاً من الإشارة إلى آفة الإرهاب والجهد المستمر والدؤوب الذي تبذله الدول العربية، بالتنسيق مع الدول الإقليمية والدولية لمحاربة الإرهاب والإرهابيين وتعرية ما يقومون به وما لحق جراء ذلك بالإسلام من تشويه، وما لحق بالمكونات الوطنية في بعض الدول العربية من دمار وخراب بسبب الأعمال الإرهابية. وغني عن القول أن «الفراغ الأمني والسياسي» الذي تعيشه بعض دول المنطقة أوجد الأرضية المناسبة للجماعات الإرهابية لتعزيز وجودها والانتشار في منطقة أو أخرى، وكلما تمت محاصرتها بحثت عن مكان بديل لتجميع صفوفها وبث الخراب والدمار في المنطقة. ويتوجب هنا القول إن هناك الكثير من النجاح تحقق في الحرب على الإرهاب سواء في العراق أو سوريا وبقية الدول العربية، وكذلك خارج العالم العربي، كما في منطقة الساحل الأفريقي، وما تقدمه بعض الدول العربية من جهود ودعم في هذا الشأن.
ويظل موضوع التدخلات الخارجية، خاصة الإقليمية، في الشؤون الداخلية للدول العربية مصدر خطر يتوجب مواجهته بكل فاعلية نظراً لما نتج عن هذه التدخلات من نتائج سلبية، ولما تشكله هذه التدخلات من خطر حقيقي وداهم على الأمن القومي العربي. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى التدخلات الإيرانية في بعض أرجاء العالم العربي، ومحاولتها الاصطياد في الماء العكر من خلال خلق الميليشيات العسكرية ودعمها وتسليحها، ودعم الإرهاب، واستمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث ورفضها تسوية الخلاف بالطرق الدبلوماسية والقانونية، وتطوير صناعتها من الأسلحة الباليستية في خرق واضح لقرار مجلس الأمن 2231 (2015)، بل وتزويد الانقلابيين الحوثيين بالصواريخ، إذ يتم إطلاقها على السعودية، حيث تم إطلاق أكثر من 100 صاروخ على مدن المملكة خلال السنتين الماضيتين، بما في ذلك مكة المكرمة والعاصمة الرياض. ولا بد من القول هنا إن ذلك يشكل عدواناً صريحاً على أمن المملكة والأمن القومي العربي يستوجب موقفاً عربياً موحداً وحشداً للجهود الدولية للتصدي له.
أخيراً، وفي ظل ما تقدم ذكره، تبدو الحاجة واضحة إلى تبني «خريطة طريق» أو وقفة تضامن لمواجهة الأزمات القائمة والحد من التدخلات في الشؤون الإقليمية، والقضاء على الانقسامات المذهبية والطائفية، ومواجهة من يدعمها، لخلق بيئة إقليمية آمنة ومستقرة.
* الأمين العام المساعد للشؤون السياسية بجامعة الدول العربية
نقلا عن الشرق الاوسط الندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع