بقلم - جينيف عبدو
من غير المثير للدهشة ألا يحتل خبر إلقاء القبض على رجل دين إيراني بارز - رغم أن إلقاء القبض عليه تسبب في اشتعال مظاهرات داخل إيران ودول عربية - الصدارة بوسائل الإعلام الغربية، وذلك لأن النظام الإيراني ببساطة يقدم على عمليات إلقاء قبض عشوائية طوال الوقت.
ومع ذلك، تبقى هذه حالة مختلفة؛ في الواقع يعيد الجدال الذي دار حول احتجاز آية الله حسين شيرازي هذا الشهر، إشعال نقاش مهم حول ما إذا كان المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، ينبغي له ادعاء امتلاك سلطة دينية تمنحه حق حكم البلاد على نحو مطلق.
ورغم أن ثمة جدالاً مستمراً داخل المذهب الشيعي من الإسلام منذ إقرار الخميني إطاراً مؤسسياً لنظام الحكم الديني، أو ما عرف بمبدأ «ولاية الفقيه»، فإن حالة من السخط إزاء هذا الأمر في تنام مستمر الآن.
الملاحظ أن ثمة اعتقاداً متنامياً عبر الأوساط الشيعية بأن تركيز جميع السلطات في يد شخص واحد أمر يتنافى مع التقاليد الشيعية، وأن منصب المرشد الأعلى ينبغي إصلاحه أو حله تماماً.
كانت تطورات الأحداث قد بلغت ذروتها في 6 مارس (آذار) الحالي قرب مدينة قم، عندما احتجزت مجموعة ذكرت تقارير أنها تنتمي إلى «الحرس الثوري الإسلامي» آية الله شيرازي.
يذكر أن رجل الدين ووالده صاحب النفوذ الواسع، آية الله العظمى صديق شيرازي، يعدّان من الخصوم الرافضين بشدة حكم خامنئي. وأفادت تقارير بأن شيرازي الابن وصف المرشد الأعلى بأنه «فرعون» خلال واحدة من المحاضرات التي ألقاها في الفترة الأخيرة، الأمر الذي شكل ذريعة لإلقاء القبض عليه.
وسرعان ما اندلعت مظاهرات اعتراضاً على هذا الإجراء لم تقتصر على إيران فحسب. وبعد تنديد رجال دين شيعة في الكويت والعراق بهذا الإجراء، وقعت اضطرابات في مدن كربلاء والنجف والبصرة. كما احتشد متظاهرون في لندن خارج أبواب السفارة الإيرانية، وألقي القبض على 4 بعدما تسلقوا أسوار السفارة وأنزلوا العلم الإيراني. ومع أنه لم تكن أي من هذه المظاهرات ضخمة (تراوحت أعداد المشاركين فيها بين العشرات وبضع مئات) فإنها تظل لافتة للاهتمام.
يذكر أن عائلة شيرازي، التي عمل أفرادها رجال دين منذ القرن التاسع عشر، تشكل مدرسة نافذة من الفكر الشيعي. كما يتميز آية الله العظمى شيرازي بحضور واسع عبر شبكة الإنترنت، ويلقي محاضرات بالفارسية والعربية مزودة بترجمة إنجليزية تجري إذاعتها عبر 18 قناة تلفزيونية و3 محطات راديو عبر مختلف أرجاء العالم الإسلامي.
وتفضل بعض الأسماء البارزة في المدرسة الشيرازية فصل المسجد عن الدولة، الذي يشكل تقليداً شيعياً قائماً منذ أمد بعيد. علاوة على ذلك، فإن ثمة آخرين لا يعارضون «ولاية الفقيه» من حيث المبدأ، لكنهم يعارضون ما يعدّونه تلويثاً أدخله الخميني وخامنئي على الفكرة من خلال تركيز جميع مقاليد السيطرة على الدولة في يد مرشد أعلى تستحيل فعلياً تنحيته عن الحكم.
كما يعارض كثير من رجال الدين الآخرين في قم، مركز المدارس الدينية داخل إيران، الحكم الديني الذي يمارسه المرشد الأعلى وذلك بناءً على اعتبارات دينية، رغم عدم انتمائهم إلى المدرسة الشيرازية على وجه التحديد.
عندما عملت مراسلة لـ«الغارديان» في تسعينات القرن الماضي، أجريت مقابلات مع رجال دين إيرانيين أخبروني بأنهم يعتقدون بأنه ينبغي عدم منح سلطات مطلقة لإنسان حي. وقالوا إن المرشد الأعلى لا يمكنه تمثيل الله على الأرض. وكان نظام طهران من جانبه عاقداً العزم على إبقاء هذا التمرد طي الكتمان لدرجة أنه منعني من السفر إلى قم.
بيد أنه اليوم وبعد مرور 4 عقود على اندلاع الثورة الإسلامية، خرج المارد أخيراً من القمقم. وكان من شأن اتساع رقعة السخط داخل المجتمع الإيراني تمكين الشيرازيين وقيادات دينية أخرى من التعبير عن آرائهم علانية. وفي العراق أيضاً تبدي قيادات دينية في النجف رفضها الشديد لحكم المرشد ويسعون إلى تقليص النفوذ الإيراني داخل بلادهم.
وخلال الفترة السابقة للانتخابات الوطنية العراقية المقررة في مايو (أيار) المقبل، تشكل أحزاب دينية شيعية تحالفات مع سنّة وقوميين على أمل تقليل أعداد الموالين لإيران في البرلمان المقبل، وأن يتحرر رئيس الوزراء المقبل بدرجة أكبر من سطوة طهران.
وتدحض هذه التطورات فكرة أن الشيعة جميعاً في سلة واحدة.
يذكر أن محكمة دينية إيرانية أصدرت بادئ الأمر حكماً على رجل الدين الابن بالسجن 120 عاماً، في الوقت الذي اتهم فيه النائب العام المتشدد محمد جعفر منتظري أنصار رجل الدين داخل إيران بأنهم «مجموعة تتمركز في قم نشطت داخل إيران لسنوات».
ومع هذا، اتضح تهافت هذه الرؤية يوماً بعد آخر مع اتساع رقعة المظاهرات. واليوم، ثمة تقارير غير مؤكدة تفيد بأن السلطات الإيرانية أطلقت سراح شيرازي الابن في 18 قبل ثلاثة أسابيع، بعد أسابيع من إلقاء القبض عليه. وإذا صح ذلك، فإن هذا يشير إلى شعور متنام لدى الجمهورية الإسلامية بالخطر والخوف من إثارة غضب رجال الدين الذين يستمد منهم النظام شرعيته.
يذكر أن شيرازي ليس أول رجل دين بارز يشكك في السلطة المقدسة المزعومة للمرشد الأعلى. عام 1999 أجريت مقابلة مع آية الله حسين علي منتظري الذي قضى سنوات كثيرة قيد الإقامة الجبرية قبل وفاته عام 2009، وقد شرح كثيراً من الآراء التي يعتنقها اليوم كثير من رجال الدين المشاركين في حركة التمرد الحالية، وقال: «لا يملك المرشد الأعلى سلطة العمل على نحو انفرادي أو استبدادي. ولا يمكنه أبداً أن يصبح فوق القانون، ويجب ألا يتدخل في جميع الشؤون، خصوصاً تلك الواقعة خارج دائرة خبرته، مثل القضايا الاقتصادية المعقدة، والسياسة الخارجية، والعلاقات الدولية».
ومع هذا؛ نجد أنه على امتداد نحو 30 عاماً قضاها بمنصب المرشد الأعلى، فعل خامنئي كل ما سبق. اليوم ومع اقتراب نهاية حكمه، ثمة تأييد متزايد في صفوف رجال الدين الشيعة البارزين لدفن منصبه معه.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
نقلا عن الشرق الاوسط الندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع