بقلم - نجوى العشري
ما حدث فى تطوير المنطقة العشوائية التى كانت معروفة باسم «تل العقارب» بمنطقة السيدة زينب بوسط القاهرة، يحمل دلالات فى غاية الأهمية فى مقدمتها تحويل اسم المنطقة إلى «روضة السيدة» وهذا معناه أنها تحولت إلى جنة خضراء وروضة تزين الحى الذى توجد فيه بعد أن كانت تلاً للعقارب، وهو وحده اسم مخيف ينفر الناس من ساكنى المنطقة، أما الاسم الجديد فيجعل أهل الحى يفخرون بالانتماء إليه، وهذا هدف أساسى من فكرة تطوير العشوائيات، فهى ليست إزالة لعشش أو بيوت متهالكة، وتلال للقمامة تراكمت على مدى عشرات السنين وإنما هى مسألة تطوير حضارى واجتماعى يرقى بالبشر ويقوى انتماءهم لمنطقة سكنهم ويشجعهم على المضى قدماً نحو التقدم والرقى طالما يعيشون فى منطقة تجذب سكانها وتجعلهم لا يخجلون من الحياة فى منطقة لمجرد اسمها، فما بالنا بعشوائياتها الخطيرة؟ الدلالة الثانية هى الطراز المعمارى الذى تم تصميم »روضة السيدة« به، وهو العمارة الفاطمية التى تميزت بها »قاهرة المعز«، وجاء اختيار هذا الطراز لقرب المنطقة من الجمالية وشارع المعز، وهنا نجد ارتباطاً بين المكان والتاريخ يكشف عن مدى وعى المسئولين بصندوق تطوير العشوائيات والأجهزة المسئولة عن هذا المشروع القومى العملاق بأهمية الارتقاء ثقافياً وفكرياً وحضارياً بالمكان والسكان، فالمسألة ليست هدم عشش لإقامة عمارات سكنية لا تتجاوز وصفها بأنها غابة من الأسمنت، المسألة أكبر وأهم، فهؤلاء السكان الذين أنصفتهم الدولة وخلصتهم من العشوائية يستحقون أن يعيشوا فى بيوت كالتى عاش فيها أجدادهم فى عصور مجدهم التى كانوا يتفاخرون بها فى العالمين، وقد جاء الوقت ليتفاخر الأحفاد بعمارتهم التى ينتقلون إليها، ويشعرون بمدى الربط بين الواقع وبين جذورهم، وأن بلدهم اختارت لهم أنسب طراز معمارى يربطهم بمكانهم ويجعلهم محط أنظار الجميع، ويجعلهم نموذجاً حياً يجب تكراره فى مناطق أخرى بطرازات أخري. وليس شرطاً أن يكون ذلك فى مشروع تطوير العشوائيات وحده، وإنما يمكن تكراره فى المشروعات الإسكانية الأخري، فبعضها يمكن أن يتبع الطراز الفرعوني، والبعض الآخر القبطي، والثالث الإسلامي، والرابع القاهرة الخديوية، مع إمكانية البناء بطرازات أخرى مقتبسة من العمارة الدولية وفنونها لتعود لمصر ريادتها بعد أن طغت التشوهات وأعمدة الخرسانة على مساكننا لفترات طويلة فقدنا خلالها الحس الفنى والجمالى والتميز المعماري، مما انعكس على أمور كثيرة منها اختفاء العمالة الماهرة فى مجال المعمار، وغياب التذوق الفنى الذى كان يميز شعبنا العظيم.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع