بقلم : فهد سليمان الشقيران
منذ ما عرف بالحرب الثالثة عام 1971 بين الهند وباكستان والتي انتهت بانتصار الهند ومن ثم انفصال باكستان الشرقية عن باكستان الغربية (بنغلاديش حالياً) والعالم يعتبر استمرارية الصراع بين الهند وباكستان تشكل خطراً على السلم العالمي. ازداد الخطر بعد اضطراب الحضور الأميركي، وتزعزع الحلف مع باكستان. من الصعب الحديث عن نهاية النزاع وخاصة أن الدولتين تتنافسان على الهيمنة بأفغانستان كما يقرأ ذلك المتخصص ويليام داريمبل في ورقة مهمة بعنوان «المثلث الدامي: أفغانستان - باكستان - الهند» وأورد فيها: «إن الرواية الباكستانية تؤكد أن الهند قطعت أوصال بلادهم، مما جعلهم يقيمون علاقاتٍ ودية مع أفغانستان، ويقاومون من أجل الحفاظ عليها، والهدف يندمج مع خطة «العمق الاستراتيجي» والهادفة إلى توفير ملجأ آمن في حال نشبت أي حربٍ مستقبلية مما يؤمن لهم الانسحاب إلى الشمال الغربي في حال حدث اجتياح هندي». وتجدر الإشارة إلى أن كاتب هذه الورقة لديه تسعة كتبٍ عن نزاعات القارة الهندية.
يرجع داريمبل جذور التنافس الهندي الباكستاني في أفغانستان إلى زمن تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947 مع انسحاب البريطانيين من الهند بعد الحرب العالمية الثانية، وعقب تقسيم المستعمرة إلى الهند ذات الأغلبية الهندوسية وباكستان ذات الأغلبية المسلمة، لتنبت شوكة كشمير في حلق كلا البلدين. وكشمير كانت في عهد الهند البريطانية ولاية أميرية، كانت كشمير مرشحة لأن تكون ضمن باكستان، لكن السبب كما يضيف أن «العواطف الموالية للهند لدى كل من المهراجا الهندوسي والسياسي المسلم البارز شيخ عبد الله بالإضافة إلى الأصول الكشميرية لأول رئيس وزراء للهند وهو جواهر لال نهرو أدت إلى بقاء الولاية جزءاً من الهند وهو الأمر الذي طالما اعتبرته باكستان أمراً غير مقبول».
بين حروب عسكرية، وأخرى باردة خسرت تلك الأمم بسبب هذه النزاعات فرصاً عظيمة لتسريع النمو الاقتصادي، والقفز نحو طفرات التطور والحداثة التي يعيشها العالم، لذلك فإن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لباكستان ثم الهند تؤكد الشراكة مع البلدين، وتعزيز التعاون بشتى المجالات، ولأن السعودية صديقة لكلا البلدين فقد طرحت مبادرة حل قضية كشمير، والأهم استجابة الدولتين وترحيبهما بالمبادرة وخاصة بعد وصول الرئيس عمران خان لسدة الحكم وهو المتصف بالقدرة على التفاوض وهي صفة تساعد على حل أعتى المشكلات ضمن حلول واقعية ممكنة التنفيذ.
وجدت الهند أنها - كما يقول هنري كيسنجر (في كتاب «النظام العالمي») - منهكة بحربٍ مع الصين 1962 وأربع حروب مع باكستان: «غير أنها بقيت ملتزمة مفهومياً بالنظام العالمي متناغمة مع الموروث على المستويين العالمي والإقليمي، وتعبيرها الرسمي عن النظام كان وستفالياً كلاسيكياً ومتطابقاً مع التحليلات الأوروبية لميزان القوى، وقد حدد نهرو خمسة مبادئ للتعايش السلمي تحت اسم (بانتشا سيلا) وهي: الاحترام المتبادل، عدم الاعتداء، عدم التدخل، المساواة والنفع، التعايش السلمي. عكفت الهند لاجتراح عقيدة تدعم أمنها كما فعل قادة أميركا الأوائل بتوظيف (مبدأ مونرو) لإيجاد دور خاص لأميركا في نصف الكرة الغربي».
على العكس فإن نيران التحديات أثقلت كاهل باكستان، القادرة نظرياً على مقارعة أعتى الدول بالعالم نظراً للمقومات والإمكانات المتاحة، وكان من أسوأ ما واجهها تحدي الإرهاب، وهذا ما يفصّله والي نصر الذي كان مستشاراً لأوباما لشؤون أفغانستان وباكستان في فصلٍ كامل بعنوان «من الذي خسر باكستان» ضمن كتابه الشهير «الأمة التي يمكن الاستغناء عنها». لقد أشاحت أميركا بوجهها عن باكستان التي تواجه تحدياتٍ جمة بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وسقوط طالبان، كان الخلاف بين أوباما ومستشاره ريتشارد هولبروك عميقاً للغاية، بين أوباما المعاند المستهتر بباكستان، ومستشاره الذي يعتبر الشراكة معها ضرورية لمحاربة التطرف في دولة نووية بمائة وثمانين مليون نسمة، لدرجة جعلت الجنرال مايكل مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة يقول في شهادته أمام لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأميركي في 22 سبتمبر 2001 إنها: «حليف ثابت وتاريخي»، وأضاف لهذا الوصف: «إنها حليف من الجحيم». أما هولبروك فنظرته واضحة ومطولة لكن خلاصتها ما يلي: «لدينا مصالح حاسمة في باكستان، إنها الأكثر أهمية، وإن لدينا مجالاً واسعاً في إدراك أهمية المصالح الأميركية في باكستان أكثر مما هي عليه في أفغانستان، لو عملنا بهذا الترتيب فإنه سيكون من الأفضل لنا والأفضل للعالم من ناحية النتائج، إننا قد نعيش لنرى نتائج عدم مبالاتنا وضياع الفرصة التي كان بالإمكان تحقيقها. إذا لم ننجح في إعادة باكستان إلى الطريق الصحيح فإن المنطقة ستتحول خلال عشرين عاماً إلى نسخة كبيرة من قطاع غزة».
الهند وباكستان تعلمان جيداً أن المرحلة الحالية تحمل فرصة ثمينة لتحقيق ثلاثة أهداف؛ أولاً: حل الخلاف السياسي والانفتاح التدريجي بين البلدين ضمن مبادرة دولية، ثانياً: ضرورة التعاون الجدي بين الدولتين لمحاربة الإرهاب وتبادل المعلومات وهذا من صالح الأمن القومي للبلدين، وثالثاً: إنهاء الصراع على الجغرافيا الذي أنهك تلك المنطقة وسهل الاستثمار المجنون من قوى تلعب على الطرفين كما هو سلوك إيران المستثمر للخلاف بين البلدين، وذلك لمصلحة الدولتين ولتعزيز الشراكة بين البلدين وحلفائهما في الشرق الأوسط، والمبادرة السعودية للحل مناسبة لتكون نقطة الانطلاق في ماراثون التفاوض.
نقلاً عن الشرق الاوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع