بقلم : مصطفى حمزة
عكست العملية العسكرية الشاملة «سيناء 2018» جدية الدولة المصرية في القضاء على تنظيم «داعش» في شمال شبه جزيرة سيناء ووسطها، وعدد من المناطق في محافظات الدلتا، والظهير الصحراوي، غربي وادي النيل. وبما أن المقدمات تنبئ بالنتائج، فإن الاستعدادات التي لم تشهد سيناء مثلها منذ حرب العام 1973، تبشر بعملية موسعة لتؤكد شموليتها عسكرياً على الأقل.
لكن مع هذا التوجه الذي يفرضه واجب الوقت في المواجهة العسكرية، تفرض مجموعة من الأسئلة نفسها، منها: هل يمكن القضاء على تنظيم «داعش» في سيناء؟ وهل القضاء على الإرهابيين في هذه المحافظة وغيرها يعني بالضرورة القضاء على الإرهاب في مصر؟ دعونا نفرق بين الحرب على الإرهاب والحرب على الإرهابيين، فالأولى تواجه أفكاراً، والأخرى تواجه أشخاصاً، ومعلوم أن الفكرة لا تموت بموت أصحابها، ولو كانت الأفكار تموت بموت من أنشأها، لماتت الماركسية بموت كارل ماركس، ولدفنت جماعة الإخوان مع حسن البنا، الأمر الذي يستدعي ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب، والتي سيتحدد بناءً عليها مستقبل هذه الظاهرة التي تتميز بتعقيدها وتشابكها وتداخلها بسبب تعدد أسبابها والعوامل المؤدية إليها.
وبالنظر إلى تاريخ مصر في مكافحة الإرهاب سنجد أنها الدولة الأكثر خبرة في هذا المجال عربياً، ومع هذا لم تستطع القضاء عليه في شكل كامل حتى الآن، فكلما تمت تصفية تنظيم أو قتل قادته واعتقالهم، ولدت من رحم أفكاره تنظيمات أخرى تكون أكثر تشدداً. فجماعة الإخوان التي نشأت في مصر عام 1928، مرت على سبيل المثال بفترات متكررة من التضييق الأمني والملاحقات والاعتقالات، ولكن لم يؤثر شيء من هذا على استمرارها حتى الآن رغم ما تمر به من انقسامات داخلية، وأزمات خارجية، بل خرج من عباءتها كثير من التنظيمات الإرهابية، على رأسها «القاعدة» و «داعش».
وتصفية تنظيم الجهاد المصري من خلال قضيتي 1977 و1979، بالإضافة إلى قرارات التحفظ التي أصدرها السادات في أيلول (سبتمبر) 1981، لم تمنع تمدد فكرة التنظيم وتطورها في أطوار وأشكال وربما أسماء أخرى، تسمى نفسها جماعة التوحيد والجهاد حيناً، وأنصار بيت المقدس أحياناً، وولاية سيناء أحياناً أخرى.
وما يحدث في سيناء الآن ربما يؤدي إلى النتيجة ذاتها التي تتمثل في القضاء على التنظيم مع استمرار الفكرة باقية وتتمدد، ما لم نتخل عن المواجهة الأحادية المتمثلة في النسق الأمني فقط، من دون الاهتمام بباقي أنساق ظاهرة الإرهاب السياسية والقانونية والسوسيولوجية (الاجتماعية) والسيكولوجية (النفسية)، والاقتصادية التنموية، والأيديولوجية الدينية، والثقافية الفكرية، والتقنية التكنولوجية والتعليمية التربوية، وهو ما يتلخص في عبارة «استراتيجية المواجهة الشاملة»، لأن أي مواجهة تهمل هذه الشمولية محكوم عليها بالفشل والإخفاق، خاصة مع التطور التكنولوجي للإرهاب المعاصر العابر للحدود.
ولكي تكتمل النجاحات المنشودة في أرض الفيروز (سيناء) لا بد من مراعاة البعد التنموي الشامل، الذي أهملته الحكومات السابقة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، إذ ركزت مجهوداتها ومشروعاتها السياحية على جنوب سيناء دون الشمال، وهمّشت البدو، وشجعت هجرة اليد العاملة إلى سيناء من وادي النيل وصعيد مصر.
والعلاقة بين الإرهاب والتنمية علاقة عكسية وثيقة الصلة، فكلما ارتفع مؤشر الإرهاب تراجعت التنمية، وكلما زادت معدلات التنمية تراجع الإرهاب، فهو يعيقها وهي تقضي عليه، لذلك تحتاج سيناء استراتيجية تنموية شاملة لمرحلة ما بعد داعش، تستهدف توطين ما لا يقل عن خمسة ملايين مواطن في شمال سيناء ووسطها بعد القضاء تماماً على التنظيم، وفقاً لخطة زمنية محددة متعددة المراحل.
ولا بد أن يكون حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية هو المكون الثقافي والمعرفي والديني، الذي يتطلب تضافر مؤسسات الدولة غير العسكرية مثل (الأزهر والكنيسة ووزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة والإعلام، والأدب والفن كقوة ناعمة) من أجل نشر ثقافة مؤداها «الحياة في سبيل الله خير وأصعب من الموت في سبيله»، لتفكيك الفكرة الرئيسة للإرهاب وضربه في مقتل.
كما ينبغي التفكير خارج الصندوق، والتخلي عن التقليدية في المواجهة، فنبتكر استراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب بالحب والشعر والأدب والثقافة والرياضة بل الموسيقى أيضاً.
نقلًا الحياه اللندنية