توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحداث فرنسا وغيرها

  مصر اليوم -

أحداث فرنسا وغيرها

بقلم : أمينة شفيق

ماذا يجرى فى أوروبا. القارة التى عرفناها ودرسنا تاريخها وثوراتها ونضالها السياسى والنقابي. القارة التى عرفناها فى ديسمبر من كل عام على انها القارة المتألقة بأعيادها ومتاجرها وأنوارها وفنونها. لم تعد القارة التى عرفناها. تراجعت فيها احزاب اليسار والوسط والخضر وتقدمت احزاب اليمين والشعبوية. انكمشت فيها حركة النقابات التى اسهمت فى بناء الحياة الديمقراطية. كان للقارة اخطاء تبلورت فى حربين عالميتين كبيرتين، لكنها فى الوقت نفسه قدمت نماذج طيبة للعلوم وللفنون وللآداب وللفلسفة وللحياة السياسية التى تمخضت عن تعاون اقتصادى يسمى الاتحاد الأوروبى الذى تخلخل الآن كما تتخلخل مقومات القارة ذاتها.

فى ديسمبر عام 2018 تراجعت اخبار الاعياد والاحتفالات الأوروبية لتتقدم اخبار البريكست التى تؤكد أن الزواج السهل الذى حدث منذ 45 عاما بين بلاد البريطانيين وبلدان الاتحاد الاوروبى لحقه انفصال متعثر عام 2018. واثبتت الاحداث البريطانية أن «دخول الحمام ليس كالخروج منه» تماما كما يقول المثل الشعبى المصرى. ثم جاءت اضطرابات باريس ومدن اخرى فرنسية وشارع الشانزليزيه السياحى الجميل. وانبرت الآراء تسمى احداث باريس على انها ربيع فرنسا او خريفها وأخرى لتذكرنا بالثورة الفرنسية البورجوازية فى نهاية القرن الثامن أو بكميونة باريس عام 1871 أو بأحداث الطلبة عام 1968. لكن الذى تم الاتفاق عليه دون اى معارضة هو ان هذه الأحداث حدثت من خارج المؤسسات التقليدية التى استمرت الوعاء الشرعى الديمقراطى الذى يجمع وينظم ويقود حركة الجماهير الفرنسية، النقابات والاتحادات ومعها الاحزاب السياسية. تماما كما خرج الرئيس ايمانويل ماكرون نفسه بعيدا عن هذه المؤسسات وتقدم الى الشعب الفرنسى طالبا اصواته للوصول الى قصر الاليزيه ومكونا حركة هى أقرب الى الحركات الشعبوية وأبعد عن كونها منظمة سياسية ديمقراطية تؤسس على برنامج اجتماعى يعبر عن طموحات طبقة اجتماعية وتخضع لقواعد الحوار الداخلى الديمقراطى وتصنع قيادتها فى مواجهة السلطة. وكما خرج دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الامريكية من غير عباءة مؤسسات بلاده ليقود الولايات المتحدة أربعة اعوام وربما لأكثر. وتماما كما خرجت حركات شعبوية يمينية بعيدا عن الأحزاب التقليدية التى تعودنا عليها خلال القرن العشرين مثل ما حدث فى النمسا وإيطاليا على سبيل المثال، وغيرها، لتصل الى سدة الحكم فى بلادها.

الغريب فى هذا الشأن الفرنسى أن الرئيس إيمانويل ماكرون استدعى قيادات النقابات والأحزاب الفرنسية» لأول مرة منذ توليه الحكم » لمناقشة الحالة الطارئة وتداول الآراء بشأنها. وهى المؤسسات التى عبرت عنه احدى الفرنسيات المتظاهرات قائلة «they are out the game» أى انهم خارج اللعبة. فكيف سيتحكمون فى هذه الآلاف؟.

تشاء الظروف أن ازور لندن العاصمة البريطانية عام 1993 وأطلب مقابلة احد المسئولين فى التنظيم النقابى العمالى فى المملكة المتحدة. والمعروف ان الـ tuc البريطانى هذا كان واستمر من اقوى المنظمات النقابية طوال القرن العشرين بالإضافة إلى انه التنظيم الذى صاغت الطبقة العاملة الإنجليزية ملامحه وتنظيمه ومساره وهى الطبقة التى بنت اللبنات الأساسية للثورة الصناعية مع اصحاب العمل «وكان ذلك قبل ان تنضم الممالك الأربع التى كونت المملكة المتحدة» يومها فى عام 1993 ناقشت مع القيادة العمالية حال الوضع النقابى فى بلادهم. كما ناقشنا الوضع فى بلادنا بصراحة وبوضوح، لأنهم يعلمون كل شيء ورأيت من العيب ان ابالغ فى حالة الحريات او الحقوق العمالية. اما ما صرح به المسئول العمالى البريطانى فكان صادما لي. قال ان العضوية النقابية فى المملكة المتحدة فى حالة تراجع منذ عام 1980 اى منذ ان جاءت مارجريت تاتشر الى الحكم وبدأت فى تقليص دور الدولة فى الاقتصاد ومحاصرة النقابات وإعادة هيكلة الاقتصاد.. قبل تاتشر كان عدد النقابيين المسجلين فى اتحاد النقابات يصل الى 15 مليون عامل - العضوية هناك اختيارية - بينما تناقص هذا العدد الى 5.7 مليون عام 1993. وتتعدد الأسباب:

منها ما هو قانونى يتعلق بتلك التعديلات التى اجرتها الحكومة والبرلمان - برلمان المحافظين - على قوانين النقابات. وهى القوانين التى حدت من حركة النقابات فى التعبير عن رأى اعضائها وحركتهم ووسائل المفاوضة الجماعية باسمهم. اجرت الحكومة هذه التعديلات بحجة تزايد قدرة النقابات فى حالة التفاوض الجماعى ثم بسبب استياء الطبقة الوسطى من كثرة الإضرابات وما تتحمله الدولة من جراء توقف الانتاج. ومنها ما هو متعلق بإعادة هيكلة الصناعة وبالتالى الاقتصاد نتيجة لعولمة الاقتصاد وتحويل العالم الى قرية اقتصادية.

كذلك، منها ما هو نتيجة لهذه الهيكلة الاقتصادية على مستوى العالم التى نقلت صناعات كبيرة اساسية من المملكة المتحدة الى البلدان التى توفر العمالة الرخيصة وفى الوقت نفسه تضع النقابات تحت سلطة الحكومات بحيث تستطيع هذه الشركات فرض شروط وظروف عملها. وعلى حد تعبير النقابيين «يتخلص اصحاب الأعمال من الصداع النقابى» لتتعاظم ارباحهم.

حدث ذلك فى الوقت الذى بدأت فيه الدولة تبشر لمشروعات الوحدات الصغيرة والمتوسطة «الملكيات الصغيرة» لإغراء العمال للحصول عليها ثم الاندماج فى هذا النظام الجديد الذى لا يتيح لهم الانضمام للنقابات لتحولهم الى اصحاب اعمال صغار. وفى النهاية يأتى دور الثورة التقنية وما احدثته من تحول فى علاقات الإنتاج. فقد عادت التقنية الحديثة المتسارعة فى تقدمها بفوائد هائلة على العملية الانتاجية لكنها فى نفس الوقت ازاحت من طريقها أعدادا من الكوادر الفنية العاملة التى شكلت العمود الفقرى للصناعات القديمة التى كانت بالطبيعة كوادر نقابية او سياسية. كما ان هذه التقنية ازاحت اعدادا من الوحدات الكثيفة العمالة لتزيد من اعداد الوحدات الكثيفة رأس المال.

ما حدث فى المملكة المتحدة تكرر فى بلدان العالم الصناعى بما فى ذلك فرنسا. لذا لا نتعجب عندما نعلم ان الغالبية من المتظاهرين لم تكن من المتعطلين وإنما كانت من العاملين ولكن غير المنظمين فى نقابات. مناصرو النيوليبرالية انتقموا من صداع النقابات والأحزاب الديمقراطية دون ان ينتبهوا لفضائلها.

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 02:12 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

«صاحبة الجلالة» ليست دائماً بريئة!

GMT 02:05 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرجيلة «حزب الله» وجمر إيران!

GMT 01:46 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

شرعية الإنجاز

GMT 01:43 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

قاموس الاستقرار وقاموس النار

GMT 01:32 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

بريد الليل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحداث فرنسا وغيرها أحداث فرنسا وغيرها



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon