بقلم - عدنان كريمة
قدرت خسائر القطاع النفطي السوري نتيجة الأحداث منذ عام 2011 بأكثر من 62 بليون دولار، وفق بيانات وزارة النفط في دمشق. ولتعويض هذه الخسائر بعيداً من اقتسام مناطق النفوذ إقليمياً ودولياً وفق سيناريوات متداولة، تخطط الوزارة (كما أعلن الوزير علي غانم) للاستثمار الأمثل للموقع الجغرافي الإستراتيجي لسورية، وتعمل على تنفيذ مشروع نقل النفط والغاز من العراق عبر الأراضي السورية إلى موانئ التصدير على البحر المتوسط، وإلى دول أخرى.
ومن منطلق تفاؤلي بتحقيق أولوية تحرير حقول النفط والغاز في سورية، تتوقع بيانات الوزارة أن يصل إنتاج النفط إلى نحو 105 آلاف برميل يومياً في نهاية العام الحالي، ليرتفع إلى 221 ألفاً في العام المقبل، و263 ألف برميل عام 2020، ثم إلى 308 آلاف برميل عام 2021، على أن يحقق أعلى معدل إنتاج وقدره 310 آلاف برميل في عام 2022، وهو يعادل نسبة 80.5 في المئة من إجمالي إنتاج ما قبل الأحداث والبالغ نحو 385 ألف برميل يومياً. أما بالنسبة إلى الغاز النظيف ، فإن التقديرات تشير إلى إنتاج 15.5 مليون متر مكعب بنهاية العام الحالي، ليرتفع إلى 23.3 مليون متر مكعب في العام المقبل، ثم إلى 24.8 مليون في 2020 ، وهو أعلى معدلاته، وبزيادة نسبتها 16.6 في المئة على إنتاج ما قبل الأحداث. وتعود الزيادة إلى الاكتشافات الجديدة التي تحققت خلال سنوات الأزمة، وكان معظمها في المنطقة الوسطى بين مدينتي حمص وتدمر.
في السنوات الثلاث الأولى للأزمة، تراجع إنتاج النفط من 385 ألف برميل يومياً إلى 13 ألفاً فقط، وبلغت الخسائر نحو 17.7 بليون دولار (وفقاً لتقديرات مؤسسة النفط السورية)، منها خسائر الإنتاج المباشرة بنحو 4.2 بليون دولار، وغير المباشرة بنحو 15.3 بليون دولار. وعزت السلطات ذلك إلى سوء الأوضاع الأمنية في مناطق تواجد الحقول والاعتداءات التي تعرضت لها من حرق وتخريب، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الأوروبية والولايات المتحدة على استيراد النفط وتصديره من سورية وإليها، لا سيما أن معظم الحقول النفطية يقع في شمال البلاد وعرضها، وهي تحت سيطرة مقاتلي المعارضة أو المقاتلين الأكراد.
وقبل أن تتفاقم الأوضاع باحتلال «داعش» معظم تلك المناطق، أقدمت 11 شركة أجنبية على الانسحاب من العمل في هذا القطاع، بعدما تكبدت خسائر بلغت 6.4 بليون دولار.
في السنوات الأربع الأخيرة (2013 - 2017)، شهدت سورية تطورات سياسية وعسكرية وديموغرافية، خصوصاً بعد تحرير معظم المناطق من «داعش». ومع بروز ملامح العودة التدريجية لمسيرة الهدوء، تحت مظلة النفوذ الروسي تمهيداً لإيجاد الحل السياسي والتحضير لمرحلة إعادة الإعمار، بدأت تظهر خطوات تقاسم النفوذ والمصالح إقليمياً ودولياً.
روسيا هي أكبر المستفيدين، وتعتبر سورية أهم حليف إستراتيجي لها في المنطقة، وتمثل قاعدة مهمة لمصالحها الاقتصادية والعسكري ، ويتجاوز حجم استثماراتها في مختلف المناطق السورية 20 بليون دولار، تتركز في شكل أساس في الصناعات المتعلقة بالطاقة ومجال النفط والغاز. وتبرز في هذا المجال أهمية صفقة عقد التنقيب المبرم مع شركة «سيوز نفط غاز» الروسية، وهي أول شركة أجنبيه تحصل على حق التنقيب والإنتاج في الجرف القاري التابع لسورية، ويشمل المنطقة الممتدة من جنوب شاطئ مدينة طرطوس إلى محاذاة مدينة بانياس، وبعمق عن الشاطئ يقدر بنحو 70 كيلومتراً، وبمساحة إجمالية تصل لنحو 2190 كيلومتراً مربعاً. وتبلغ كلفة الصفقة 100 مليون دولار، وهي تقديرات الحد الأدنى، وقد صادقت الحكومة السورية على هذا العقد في منتصف عام 2014، مع الإشارة إلى أنها وقعت اتفاقات تسمح ببقاء روسيا في سورية مدة 50 سنة، وربما تمتد إلى 100 سنة.
وتعتبر إيران الحليف الثاني، وهي تكثف جهودها للحصول على أكبر حصة من خلال «تعاونها الإستراتيجي» مع حكومة دمشق، وتضمن مصالحها الاقتصادية بموجب اتفاقات موثقة ومبرمة لفترة طويلة تزيد على 25 سنة، وربما تمتد إلى 50. ويأتي استثمار طهران في إنشاء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص بطاقة تكرير 140 ألف برميل يومياً، في إطار اتفاق بين البلدين يشمل قطاع الطاقة، وتقوم بموجبه بإعادة بناء مصفاتي حمص وبانياس وتجهيزهما. كذلك حصلت إيران على ترخيص باستثمار نحو خمسة آلاف هكتار، لإنشاء خزانات للنفط في الساحل السوري.
وفي مقابل الوجود الشرعي والقانوني لهذين الحليفين، يبرز الوجود غير الشرعي للولايات المتحدة، والذي تعتبره حكومة دمشق مثابة احتلال واعتداء عل السيادة السورية. لكن يبدو أن هذا الموقف لن يغير شيئاً في إستراتيجية واشنطن في سيطرتها على مناطق واسعة في شمال شرق سورية، خصوصاً منطقتي دير الزور والحسكة اللتين توجد فيهما آبار للنفط بطاقة إنتاجية تقدر بـ400 ألف برميل يومياً، إضافة إلى حقول لإنتاج الغاز، وذلك بدعم مستمر لمدة طويلة وغير محددة لقوات سورية الديموقراطية. مع العلم أن مناطق النفط والغاز تمتد إلى تدمر وريف حمص، والتي تسيطر عليها القوات الروسية مع الفيلق الخامس التابع للنظام، وهناك ثلاثة حقول غاز متوسطة الحجم شمال تدمر، تكفي لتزويد سورية كاملة بالطاقة الكهربائية (24 ساعة يومياً) لمدة 19 سنة.
وهكذا تبرز أهمية الصراع الإستراتيجي، الإقليمي والدولي، في سورية، ومدى خطورته وتداعياته، وهو صراع مصالح اقتصادية، ونفوذ «جيوسياسي» وعسكري، في منطقة الشرق الأوسط.
نقلا عن الحياه اللندنيه