بقلم - فاتنة الدجاني
قبل سنة، وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو العلاقة مع الصين بأنها «زواج صنع في الجنة». يومها، دعا بكين الى أخذ موقعها الصحيح على المسرح الدولي، واقترح أن تكون إسرائيل شريكها الصغير. واليوم، يستعجل نتانياهو تمتين العلاقات مع بكين، وعينه على المستقبل والمكاسب التجارية. لكنه ينسى، وعلى الأرجح يتناسى، طرفاً آخر مهماً في هذه المعادلة.
يتناسى نتانياهو أميركا. وهي ليست أي أميركا. إنها أميركا الرئيس دونالد ترامب. لا بد أن يكون نتانياهو سمع بالحرب التجارية المستعرة التي أعلنها ترامب على الصين، وجعلها على رأس أولوياته، باعتبارها تهديداً خطيراً لبلده. ولا بد أن نتانياهو يدرك تماماً أن ترامب لا يمزح، ويأخذ بجدية سياسة «مَن ليس معنا هو ضدنا».
العلاقة بين إسرائيل وأميركا تجاوزت، بالضرورة، هذا النوع من الاصطفافات. إنها من نوع «العلاقات الاستراتيجية» التي لا تنفصم عراها، ولا ينفك الجانبان يذكّران العالم بها. على الأقل، هي بالنسبة الى الولايات المتحدة من النوع الذي يكلّفها ٣,٨ بليون دولار من المساعدات السنوية للدولة العبرية، يما يشمل مشاريع عسكرية وتكنولوجية ومناورات مشتركة، وتبادل معلومات وتنسيقاً أمنياً.
هنا بيت القصيد. كيف ستُوفِق إسرائيل بين علاقتها مع الأضداد، أميركا والصين؟ كيف ستُقنع حليفها الأميركي بأن أسراره العسكرية والتكنولوجية، في مأمن، وهل ستكون التبريرات الإسرائيلية كافية ومقنعة؟ كيف ستتعامل أميركا مع تحدي إسرائيل وطموحاتها، وهذا الاندفاع نحو الصين الطامحة الى تعزيز قدراتها العسكرية، وموقعها الإستراتيجي، ومكاسبها الاقتصادية؟ الواقع الجديد يفيد بأن الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا، وثالث أكبر شريك تجاري لها في العالم. الاستثمارات الصينية في الدولة العبرية تتجاوز 18 بليون دولار، وهو رقم يكاد أن يقارب حجم الإستثمارات الأميركية.
المخاوف الأميركية، ومعها التحذيرات، بلغت مسامع إسرائيل. وتنبيه جديد وصلها من مسؤولين أميركيين بارزين. سبقه كشفٌ عن غضب جنرالات في سلاح البحرية الأميركية من منح الصين امتياز تطوير ميناء حيفا، ما قد يؤثر في تموضع الأسطول السادس الأميركي هناك. وهي مخاوف لا تلقى صدى في البنتاغون فحسب، بل أيضاً في أروقة البيت البيض.
أكثر ما يثير الأميركيين هو القلق من تعاون تكنولوجي متقدم بين تل أبيب وبكين يضر بالأمن الأميركي. فهذا التعاون سيمس ثلاث ركائز أساسية في علاقة أميركا بإسرائيل. الأولى أن هذا التعاون يتعارض جوهرياً مع الحصار التجاري الأميركي للصين، والتكنولوجيا المتقدمة هي المقصودة أساساً. والثانية أن لهذه التكنولوجيا صلة مباشرة بتطوير القدرات العسكرية الصينية. والثالثة أن التعاون الصيني - الإسرائيلي يتجاوز، بالتكنولوجيا وحاجاتها وتموضعها، ترتيبات جيوسياسية راسخة نسبياً في الشرق الأوسط، خصوصاً الإقليم العربي.
إسرائيل تملك جزءاً من أسرار التكنولوجيا الأميركية المتقدمة بفضل التعاون الوثيق بين الجانبين. الأخطر، من وجهة النظر الأميركية، هو تكنولوجيا الأمن. فالدور الإسرائيلي في تطوير السلاح الصيني قديم يعود الى السبعينات. وسبق أن منعت أميركا الدولة العبرية من استكمال صفقات أمنية كثيرة، بينها واحدة لأنظمة الإنذار المبكر المنافس لـ «أواكس» والمركب على طائرات «فالكون»، تحسباً لأن تشكل خطراً على القوات الأميركية إذا نشبت حرب بين الصين وتايوان. وهذا الرادار هو أصلاً تكنولوجيا أميركية. كذلك منعت واشنطن إسرائيل من تطوير صواريخ «هاربي» إلى الجيل المتقدم، وكانت الصين اشترتها منذ سنين من تل أبيب. لكن هذا التدخل الأميركي لم يمنع أكاديمية التعاون الصيني - الإسرائيلي «سيغال» من تطوير مقاتلات إسرائيلية لمصلحة الصين.
هناك أيضاً الحذر الأميركي من ضم إسرائيل الى مبادرة «طريق الحرير» (حزام واحد طريق واحد) الصينية، عبر تطوير موانئ إيلات وأسدود وحيفا لنقل البضائع الصينية، كما أن أي ترتيبات أمنية في ميناء حيفا سيؤثر في حركة الأسطول السادس. وهذا ما تعتبره أميركا انتقالاً في العلاقة الصينية - الإسرائيلية إلى مجال إعادة تشكيل المنطقة.
الأزمة بين أميركا وإسرائيل مسألة وقت. فهل ستنجو الدولة العبرية منها، كما العادة؟ أين العرب من كل ذلك حين لا يعني هذا التغيير لمصلحة إسرائيل سوى زرع الأشواك في طريق الحرير.
نقلا عن الحياة
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع