بقلم - بيتر أورزاغ
عندما أعلن الرئيس دونالد ترمب عن تفضيله للمهاجرين من النرويج، فمن المحتمل ألا يكون على دراية بأنه اختار أحد الاقتصادات القليلة المتقدمة في العالم التي تشهد انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الذكاء؛ إذ تعاني النرويج ودول شمال أوروبا الأخرى انكماشاً في معدلات الذكاء، بعد مستويات الذكاء المرتفعة نسبياً، حتى في الوقت الذي ترتفع فيه قياسات الذكاء في مختلف أنحاء العالم بصورة تصاعدية على المدى الطويل. والسؤال الرئيسي يدور حول ما إذا كان الانكماش الأخير في النرويج وفي غيرها من الدول يشير إلى أن الظاهرة العالمية في طريقها للزوال قريباً.
وكان متوسط مستويات الذكاء، الذي يقاس باختبارات الذكاء الموحدة، قد ارتفع منذ أوائل القرن العشرين على الأقل. وخلص التحليل الاستخلاصي الذي شمل أكثر من 4 ملايين شخص في 31 دولة، إلى أن متوسط الارتفاع لثلاث نقاط على معدل الذكاء كل 10 سنوات، أو ما يقرب من 10 نقاط لكل جيل. وخلصت دراسة أخرى أجريت مؤخراً إلى تسجيل زيادات مماثلة.
وتوصف هذه الظاهرة باسم «تأثير فلين»، على اسم جيمس روبرت فلين، العالم الأكاديمي النيوزيلندي الذي وثّق الظاهرة في سلسلة من الدراسات بدأت من ثمانينات القرن الماضي. وقد وجد ارتفاعاً لمعدل الذكاء في كل من البلدان المتقدمة والنامية، لكنه يختلف وفق الدرجة من بلد إلى آخر، بمرور الوقت، ووفقاً إلى نوع الذكاء الخاضع للقياس. وكان تأثير فلين هو الأقوى بالنسبة للاختبارات غير اللفظية منها إلى الاختبارات اللفظية، على سبيل المثال، وهو الأكبر لدى البالغين عن الأطفال.
وأسبابه تلقى الكثير من السجالات المحتدمة. وإحدى النظريات تقول إن تلك النتائج وهمية، وهي تعكس أفضل أساليب أداء الاختبار أو اختيار الأفراد الذين يؤدون الاختبار. غير أن مثل هذه التحولات ليست كبيرة بدرجة كافية لتفسير هذه الظاهرة. وعلى الأرجح، فهناك الكثير من العوامل لها دور في هذا، بما في ذلك التحسينات في التغذية، وتوسيع مجال التعليم الرسمي، والزيادة في متوسط التحصيل العلمي، والتحسينات البيئية، مثل انخفاض مستويات التعرض لمعدن الرصاص، وانكماش عدد أفراد الأسرة؛ الأمر الذي يسمح بمزيد من التركيز على التعليم لكل طفل داخل الأسرة. ولا يزال الجدل مستمرأً بشأن ما إذا كانت الزيادة في متوسط الذكاء تعكس الزيادة غير المتناسبة في معدل الذكاء في نهاية مجال التوزيع.
وأحد الآثار المترتبة للسياسة ينطوي على الحاجة إلى إعادة النظر فيما يشكل الذكاء الضعيف. ولقد أصدرت المحكمة العليا الأميركية، على سبيل المثال، حكماً بأنه من العقوبة القاسية وغير المعتادة لدى الولايات أن تحكم بالإعدام على المواطن الذي يفتقر إلى القدرة العقلية الكافية واللازمة لفهم عواقب أفعاله. ولهذا الغرض؛ هل يمكن اعتبار درجة 80 على معدل الذكاء اليوم مماثلة لدرجة 70 على المعدل نفسه قبل جيل من الآن؟ لم تكن المحاكم الأميركية متسقة فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان ينبغي الانضباط وفقاً لتأثير فلين. (جادل البروفسور فلين بشدة بأنه ينبغي للمحاكم أن تنضبط وفقاً لتأثيره).
من أحد الاستثناءات الملحوظة على الارتفاع المستمر في معدل الذكاء العالمي في أنحاء العالم كافة كان في الجيش الأميركي؛ فلقد انخفضت درجات اختبارات الضباط خلال العقود الأخيرة. ومع اعتبار أن درجات معدل الذكاء آخذة في الارتفاع في عموم الولايات المتحدة، فإنه من المفترض للنتائج العسكرية أن تعكس أنماط التجنيد بدلاً من أي ظاهرة واسعة النطاق. وما يبرز بالفعل هو عندما ينخفض مستوى معدلات الذكاء في البلاد بأسرها.
وبالعودة مجدداً إلى النرويج، فقد قارنت تسع دراسات بين تأثيرات فلين السلبية في سبعة بلدان، وفقاً إلى مراجعة ممنهجة وحديثة لتلك الأدبيات. وأثارت بيانات النرويج، على وجه التحديد، الاهتمام؛ نظراً لأنها تستند إلى الاختبارات التي أجريت على المجندين في الجيش، وتغطي جزءاً كبيراً من الذكور البالغين في البلاد. وهي تعكس انخفاضاً في متوسط معدل الذكاء في النرويج منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.
ولقد أجرى البروفسور فلين بنفسه بعضاً من الدراسات الحديثة حول النرويج وغيرها من الدول الاسكندينافية. وتشير تحليلاته إلى هبوط بمقدار 6.5 نقطة لكل جيل من أجيال البلاد.
فهل يتوقع تكرار هذه التراجعات في بقية دول العالم، أم أنها معنية بالبلدان محل الدراسة فحسب؟ من المفترض، أن تتضاءل أسباب تأثير فلين بمرور الوقت، وتطغى عليها عوامل أخرى – بما في ذلك آثار ألعاب الفيديو، وغير ذلك من التغيرات الاجتماعية والثقافية الحديثة.
في واقع الأمر، خلصت إحدى الدراسات الأخيرة إلى أن وتيرة الزيادة في درجات معدل الذكاء كانت في تباطؤ بشكل عام – وهو إنذار محتمل ومبكر بشأن تأثير فلين السلبي في المستقبل. ومع ذلك، هناك دراسة أخرى أجريت وأظهرت عدم وجود مثل ذلك التباطؤ.
وحيث إننا نفهم القليل للغاية عن أسباب ارتفاع درجات الذكاء، فليس أمامنا سوى الخيار غير الجذاب الذي يدعونا للانتظار؛ حتى نعرف ما سوف يحدث في العالم. وفي الولايات المتحدة، الآن على أقل تقدير، فإن الارتفاع في مستويات الذكاء لا يُظهر أي علامة على التباطؤ.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنيه