وافق مجلس النواب يوم 28 يناير 2018 على مشروع بإصدار قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقى والإفلاس، وكتبت عنه جريدة الأهرام أنه جاء بتنظيم عملية إعادة الهيكلة المالية والإدارية للمشروعات سواء المتعثرة أو المتوقفة عن الدفع فى محاولة لإقالتها من عثرتها وإدخالها سوق العمل مرة أخرى، وتنظيم عملية خروجها من السوق بشكل يضمن حقوق جميع الأطراف من دائنين ومدينين وعاملين بالمشروع، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى بث الطمأنينة لدى المستثمرين الأجانب والوطنيين ويخلق المناخ الصحى الملائم والجاذب للاستثمار.
وبالنظر فى القانون الذى تم نشره على بعض المواقع، نجد أنه يحوى 262 مادة شملت كل شىء فيما يخص الدائن والمدين، بما فى ذلك الإفلاس فى حال توقف التاجر عن دفع ما يستحق عليه من غرامات جنائية أو ضرائب أو رسوم أو تأمينات (م79 من المشروع).
إلا أن القانون ظهر وكأنه لا يرى العمال الذين يعملون فى هذه الشركات، وعلى الرغم من هذا لم نسمع بأن أحدا من النواب أعضاء الاتحاد النقابى الحكومى قد اعترض أو علق عليه؟ ففى مادة 19 والخاصة بالطلب المقدم لإعادة هيكلة وتنظيم أعمال التاجر المالية والإدارية، يتم إرفاق 9 مستندات ليس من بينها مستند واحد عن العمال لدى التاجر سواء عددهم أو أجورهم أو مستحقاتهم، أو وضعهم فى إعادة الهيكلة. كذلك الوضع بالنسبة للطلب المقدم فى عملية التصالح أو الإفلاس (م36، م77).
فى الوقت الذى حرمت م111 من الحكم عليه حكما نهائيا لارتكابه جريمة التفليس بالتدليس من ممارسة حقوقه السياسية لمدة ست سنوات، وعاقبته م 253 بالحبس ما بين 3 و5 سنوات، وغرامة ما بين 50 و500 ألف جنيه، لم يأت ذكر لمن يحرم العمال من حقهم فى العمل أو يحرمهم من حقوقهم المادية من أجور وغيره، فالقانون لا يرى سوى أصحاب الأموال من الدائنين والمدينين، ولا مكان فيه للعاملين بأجر.
تم ذكر العمال فى مادة واحدة وهى م114 والتى نصت على أنه «إذا أفلس رب العمل وكان عقد العمل غير محدد المدة جاز للعامل ولأمين التفليسة إنهاء العقد مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها فى قوانين العمل، ولا يجوز للعامل فى هذه الحالة مطالبة التفليسة بالتعويض إلا إذا كان الإنهاء تعسفيا أو بغير مواعيد الإخطار. وإذا كان عقد العمل محدد المدة لا يجوز إنهاؤه إلا إذا تقرر عدم استمرار التجارة ويجوز للعامل فى هذه الحالة مطالبة التفليسة بالتعويض...».
وجدنا أن هذه المادة تحرم العامل بعقد غير محدد المدة من عمله، وتجرده من حقه فى التعويض الذى يعينه فى المعيشة لبعض الوقت هو أسرته بعد أن أصبح عاطلا عن العمل. يأتى ذلك بالمخالفة لما نصت عليه م9 من قانون العمل 12 لسنة 2003: «لا يمنع من الوفاء بالالتزامات الناشئة طبقا لهذا القانون، حل المنشأة أو تصفيتها أو إغلاقها أو إفلاسها....»، وفى شرح هذه المادة للمستشار العمالى، وخبير تشريع العمل السابق فى منظمة العمل العربية، والمحامى، عبدالحميد قطب بلال فى كتابه «الموسوعة العمالية: قانون العمل رقم 12 لسنة 2003» ــ قال فيما يخص الإفلاس: «غالبا يكون الإفلاس مرجعه صاحب العمل نفسه، وبذلك لا تنتهى عقود العمل بمجرد صدور حكم الإفلاس أو الاستغناء عن بعض العمال وتعيين السنديك. وإذا أدت التصفية إلى إغلاق المنشأة أو الاستغناء عن بعض العمال فيكون ذلك إنهاء للعقد وليس انقضاء له يلزم تعويض العامل».
***
ونفس الشىء نجده فى جميع قوانين الاستثمار، فقد أتت كل قوانين الاستثمار ــ بدءا من قانون الاستثمار رقم 230 لسنة 1989، وتعديلاته ق 8 لسنة 1997، ق 17 لسنة 2015، وانتهاء بالقانون رقم 4 لسنة 2018 بتعديل ق 159 لسنة 1981 الخاص بشركات المساهمة ــ بكل ما يخص الشركات وعلاقتها بالجهات الإدارية، وعلى كيفية فض المنازعات بينهما. ولم يأت ذكر لأى شىء يخص المنازعة بين المستثمر والعمال سواء فى حال الاعتداء على حقوقهم.
فقد عددت (م35 ق15 لسنة 2017) ــ لتيسير إجراءات منح تراخيص المنشآت الصناعيةـ ـ تسعة أسباب لإلغاء الرخصة بدءا من تقديم صاحب المنشأة طلب إلغائها، مرورا بإجراء تعديلات جوهرية على المنشأة أو كونها أصبحت غير مستوفية للاشتراطات الجوهرية والتى يصبح معها تشغيلها خطرا جسيما على الصحة العامة والسلامة والصحة المهنية، وصولا إلى عدم تجديد الترخيص. وكلها بالطبع مهمة، ولكن غاب عنها أى سبب يخص العمال ــ فيما عدا السلامة والصحة المهنية ــ فماذا سيحدث إذا حرمهم صاحب الشركة من حقوقهم فى الأجور، أو لم ينفذ اتفاقية عمل جماعية سبق توقيعها مع العمال وأصبحت بمثابة قانون، أو فصل عددا من العمال أو حتى كلهم، ألا يعد هذا مما يستوجب توقيف المستثمر ومحاسبته؟
وقد تم ذكر حق الجهة الإدارية المختصة طبقا لكل قانون فى الإغلاق فى حال عدم توفيق أوضاعها (م5 ق 15 لسنة 2017)، واعتبار الشركة منحلة أو فى حالة تصفية م8، أ م37، أو تقسيم الشركات المساهمة ونشوء شركات عنها أو دمجها م135 مكرر (أ، ب، ج)، أو حل شركة الشخص الواحد م129 مكرر (9) قانون 4 لسنة 2018، دون الحديث لا من قريب أو بعيد عن ماذا يحدث للعمال فى هذه الشركات بعد التصفية أو الحل أو الدمج أو التقسيم.
وفيما يخص المنازعة بين المستثمر والجهة الإدارية جاء فى (م63 ق 8 لسنة 1997) حق الهيئة العامة للاستثمار فى إصدار قرار بإيقاف نشاط المشروع (ضمن إجراءات أخرى) إذا استمر صاحبه فى مخالفة أى من أحكام القوانين واللوائح والقرارات بعد إنذاره من الجهات. والتى تم استبدالها بـ(م 93 رقم 17 لسنة 2015)، التى أوكلت الأمر كله لهيئة الاستثمار وحدها فى مخالفات قانون الاستثمار الموحد فقط دون بقية القوانين، وضمنها قانون العمل. وهو نفس ما تنص عليه م124 من اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار 72 لسنة 2017.
***
هكذا تغلق الشركات بدون ذكر لما سيحدث للعمال، حتى أن أيا من هذه القوانين لم يذكر ضمن المستندات المطلوبة فى حال الإغلاق أو التصفية أو الحل قرار موافقة اللجنة المشكلة فى وزارة القوى العاملة طبقا للمواد من 196 إلى 201 ق 12 لسنة 2003 الخاصة بإغلاق المنشآت سواء جزئيا أو كليا.
لماذا يلجأ صاحب العمل إلى هذه اللجنة إذا كان يستطيع تفاديها؟ لماذا يجلس فى هذه اللجنة لإقرار حقوق العمال الذين سيشردون من الإغلاق إذا كان يستطيع الإغلاق بدون موافقتها؟ لذا فلا غرابة أن يصرح فى عام 2013 محمد سعد وكيل وزارة القوى العاملة بالإسكندرية بأنه لم يتم إخطار مديرية الإسكندرية بالإغلاق إلا من ثلاث شركات فقط ــ ذلك فى الوقت الذى أغلق فيه 450 مصنعا فى برج العرب وحدها ــ حتى هذه الشركات لم تستمر فى طلبها لأن اللجنة تطلب بعض المستندات ومبررا قانونيا للتوقف.
ليس هذا فقط، بل إن هذه القوانين جردت العمال فى بعض المناطق من بعض حقوقهم المقرة بقانون العمل، فقد نصت م43 ق 17 لسنة 2015 على أنه «لا تخضع المشروعات فى المناطق الحرة لأحكام القانون 113 لسنة 1957 المشار إليه، أو أحكام الباب الخامس من الكتاب الثانى من قانون العمل المشار إليه». قانون 113 هو القانون الخاص بالتعيين فى وظائف شركات المساهمة والمؤسسات العامة، الباب الخامس ق12 حوى المواد من م56 حتى م 75 الخاصة بالطريق القانونى لعقاب العمال، والأخطاء المستوجبة للعقاب، والإجراءات المتبعة لوقف أو فصل العمال. كذلك تضمن حماية النقابيين.
***
فى الوقت الذى تم فيه ذكر بعض حقوق العمال على استحياء مثل ما جاء فى م44، م42 القانون 8 لسنة 1997ــ والتى لم تعدل ــ من سريان قانون التأمين الاجتماعى على العاملين، وعقود العمل. جاءت اللوائح التنفيذية لهذه القوانين لتؤكد الحرمان م85 من قرار 1820لسنة 2015، المنفذ لـ ق 17 لسنة 2015، م114 من قرار 2310 لسنة 2017 المنفذ ق 72 لسنة 2017 «تسرى على العاملين بالمناطق الحرة أحكام قانون العمل فى شأن الخدمات الاجتماعية والطبية اللازمة لحمايتهم أثناء العمل...» وهو ما قد يفسر أن بقية أحكام القانون لا تسرى عليهم.
هكذا وجدنا أن الدستور وقوانين الاستثمار تضمن عدم المساس بملكية الشركات وأموالها، ولكنها لا ترى الملايين من العمال. ولا تضع فى اعتبارها ما جاء فى قانون العمل من حقوق للعمال، وكأن هذه القوانين تصدر وتنفذ فى بلد آخر.
نقلا عن الشروق