دفعنى لقراءة الرواية عنوانها: أعرف أغنيات كثيرة.. ولكننى لا أستطيع الغناء. كاتبها: بريان كيتلي. ومترجمها: صلاح صبري. ومراجعها: محمد بريري. ونشرها المشروع القومى للترجمة 2014، عندما كانت الدكتورة رشا إسماعيل، زميلتى فى مجلس النواب الآن، رئيسة للمركز. ومؤلف الرواية نشأ فى نور هامبتون بولاية ماساتشوستس الأمريكية. وقام بالتدريس فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وحالياً يرأس قسم اللغة الإنجليزية والكتابة الإبداعية بجامعة دانفر. وله علاوة على هذه الرواية روايتان أخر يان.
المؤلف عاش فى مصر. ويتعامل معها كزائر:
- تبدو مصر لمن يراها من الجو كزهرة لوتس ملونة بدرجات من الأسود والأخضر مُقْتَلَعَة من جذورها تماماً. عند السد العالى بأسوان. ومغروسة فى مزهريتها الترابية عند بحيرة ناصر. الزهرة الهائلة تنزف عصارتها باضطراد. لم يعد النيل يفيض كل عام. والأرض تزداد ملوحة يوماً بعد يوم. القاهرة هى العقدة التى تفصل ما بين الزهرة وساقها. ورم سرطانى يكاد يفتك بتلك المنظومة العضوية العتيقة. والأحداث تجرى فى رمضان:
- إنه رمضان. خمس عشرة دقيقة قبيل الغروب. حيث تكسر المدينة صيامها النهاري. فى الأسبوع الأخير من رمضان. تنقلب الحياة رأساً على عقب. كسل واسترخاء فى أثناء الصيام النهاري. تناول الوجبة الأساسية عند منتصف الليل. ثم الاستيقاظ قبيل الفجر لتناول وجبة خفيفة وأداء الصلاة. والبطل الذى لا يذكر إن كان صائماً أم لا. يرتبط بسلوك المصريين ولا يتناول الطعام إلا لحظة الإفطار. يشترى لفافة من السلوفان بها بسكويت من بسكو مصر - هكذا يدون اسم الشركة صانعة البسكويت - يستدرك ليس الإفطار المعتاد الذى هو فى العادة كوب منقوع من التمر وآخر من الشاي. يقوده رمضان للكلام عن دين المصريين. ويخرج من صيام المسلمين إلى المسيحيين، يسميهم الأقباط. قبطى تعنى مصريا. وهناك قبطى مسلم وقبطى مسيحي. والأدق وصفهم بالمسيحيين. ويركز على المتحولين إلى الإسلام. ويكرر الحديث عن التحول وكأنه طوفان. مع أن حالات التحول - إن حدثت - فردية وليست كثيرة الحدوث. ولا تشكل ظاهرة. فالتحول من دين لدين يكون اضطرار وليس اختياراً بسبب ظروف اجتماعية وعلاقات إنسانية أكثر من كونها مسألة دين.
ومثل موقفى من الإسلام. يتحدث عن اللغة العربية. فعلاوة على أنه يتوسع فى استخدام العامية فى السرد والحكي. وليس مجرد الحوار بين الأبطال. فإن أحد الأبطال يقول إن اللغة العربية مفسدة للحنجرة. ثم يؤكد الراوى أن المصريين لم يعد بينهم من يتحدث العربية. تشغله اللغة العربية فى أكثر من مكان من الرواية. ويعود للحوار السابق ويحكي:
- ما دامت اللغة العربية من عند ربنا. تبقى إزاى قدرت تستمر فى التطور. وإيه لزوم الحفاظ على العربية الفصحي؟ واستخدام الجذور القديمة فى اختراع أسماء للتكنولوجيا الجديدة بهدف تجنب الكلمات المستعارة من اللغة التالية.
ونجد مصريا يرد عليه:
- ممكن أقول إن اللغة العربية لغة جميلة لأنها آخر لغة ربنا اختارها علشان يكلمنا بيها. لكن إنت متعصب ولست منطقياً مهما تكن الأمور. أى لغة هى لغة ربنا. هو يسمع كل اللغات إللى البشر بيتكلموها. وعقل الأمريكى غير عقل العربي. لا تتصور أن الرواية ما دامت تقترب من مناطق اللغة والكتابة أن راويها اهتم بالحياة الثقافية للمصريين فى المرحلة التى عاشها فى مصر. ورغم أن الترجمة لا توجد لها مقدمة. لا المترجم فكر أن يقدم النص. ولا المراجع ذهب خياله لهذا. ويبقى للقارئ أن يُخَمِّن ليصل للزمن الذى قضاه الراوى فى مصر عندما عمل أستاذاً فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة. لا يبقى سوى محاولة تصيد الأحداث المهمة التى جرت خلال وجوده فى مصر. وأهم حدث كان سلام الرئيس السادات مع العدو الإسرائيلى حيث تُذكر كامب ديفيد بالاسم. وأحد الأبطال يتغزل فى إسرائيل. قائلاً:
- إسرائيل بلد ساحر. بيحكموا مجموعة كفاءات مفيش فى قلوبهم رحمة. طب والقرى الفلسطينية؟ إنت مش متخيل إن الإسرائيليين عايزين يمسحوا الذاكرة الجغرافية اللى بيصطدموا بها يومياً. وهذا يدفعه لأن يقول ولا تدرى على أى أساس قاله إن المصريين يحتقرون الفلسطينيين. ويكتبه باعتباره حكماً جامعاً مانعاً نهائياً.
ولذلك عندما يُذكر محمد على باشا، وإبنه إسماعيل الذى يرد ذكره بمناسبة حفل افتتاح قناة السويس، ويصفه بجملة عابرة ربما كان فيها ظلم. عندما يقول إنه - أى إسماعيل - أحب يوجينى زوجة نابليون الثانى أكثر مما أحب مصر. لكنها تماماً مثل مصر لم تبادله حباً بحب.
وعند ذكر جمال عبد الناصر والسادات. نجده منحازاً للسادات إنحيازاً أعمي. وهذا حق لأى روائي. عندما يُشكل كونه الروائي. لا يناقشه فيه أحد. ولا يشكك فى نياته أحد. لكن تبقى المصداقية التى هى أهم من الصدق. وحتى الصدق فى النص الروائى مسألة تحتاج لأكثر من وجهة نظر عند التعامل معها. فليس بديل الصدق الكذب. ربما كان الاختلاق. وربما كان موقف الكاتب يدفعه لما يكتبه. وليس الواقع الذى يكتب عنه.
يكتب عن السادات:
- اسمعوا النكتة دى. السادات شاف فى جهنم مهندس بترول أمريكى بيتكلم فى التليفون. اتكلم 5 دقايق، الفاتورة جت بمليون دولار. السادات اترعب. قال لنفسه أنا مش حطول. هما كلمتين وخلاص. نقلوا السادات لمكان تانى علشان هو مصرى وقعد يرغى نص ساعة. حط السماعة وسأل الحساب كام؟ قالوا ربع جنيه بس. سألهم فى نص ساعة ليه رخيص كدا؟ قالواله أصل المكالمة دى محلية. يرد إسم جمال عبد الناصر لأن أحد الأبطال من المصريين الذى يقابل البطل واسمه: إب، يحكى قصة تسميته بجمال. فيقول إن والده أطلق عليه اسم جمال عبد الناصر. ولا يذكر من إنجازاته سوى أنه بانى السد العالى فى أسوان. ولا نطلب من بطل فى رواية أن يقدم روزنامة إنجازات. لكن ما يمكن أن يرد على باله. وجمال صديق الأمريكى لا يذكر لعبد الناصر سوى السد العالي.
ألم تكن الترجمة تستحق من المترجم أو المراجع تدوين هوامش تقابل أحداث الرواية بالوقائع التى جرت إبان الزمن الذى تحكى عنه الرواية؟!.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع