توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المجتمع الأميركي وقضاياه الداخلية

  مصر اليوم -

المجتمع الأميركي وقضاياه الداخلية

بقلم : وليد محمود عبد الناصر

 جاءت حادثة إطلاق النار أخيراً في مدرسة في ولاية فلوريدا، وما سببته من ردود أفعال على مستوى العالم؛ في ضوء حقيقة أن الولايات المتحدة الأميركية دولة محورية ومركزية وشديدة الأهمية على الصعيد العالمي، ولكن أيضاً أخذاً في الاعتبار أن عشرات الآلاف من الطلاب يرسلهم أولياء أمورهم من بلدان من مختلف أنحاء وقارات العالم إلى الدراسة وطلب العلم في المدارس والجامعات الأميركية، وبالتالي تصبح قضايا المجتمع الأميركي الداخلية هي في واقع الأمر قضايا تكون محل اهتمام ومتابعة من العالم الخارجي.

ولا تزال تداعيات هذه الحادثة وردود الأفعال عليها وانعكاساتها وتبعاتها تتوالى، سواء على صعيد المسؤولين الحكوميين أو على مستوى المجتمع المدني الأميركي بمنظماته وجمعياته وطلابه وشبابه، بل من جانب الشركات المصنعة للأسلحة الفردية ذاتها، على تنوع الآراء، بل وتباينها وأحياناً تناقضها في ما بينها، وسواء داخل الولايات المتحدة الأميركية أو خارجها، خصوصاً أن الأمر يتعلق بموضوع نستطيع أن نصفه بـ «المزمن» ضمن المسائل العالقة وغير المحسومة ومحل النقاش والجدل منذ زمن بعيد في صفوف المجتمع الأميركي، وهي مسألة حرية حمل السلاح من قبل المواطنين الأميركيين العاديين، والتي تكفلها القوانين الأميركية الداخلية السارية حتى الآن. وتتراوح الآراء والمواقف ما بين من يكتفي بلوم قوات الشرطة الأميركية على التقصير الذي أدى إلى وقوع الحادث وهذا الكم الهائل من الضحايا، وكذلك من يدعو إلى تسليح المدرسين والمعلمين تحت اعتقاد أن ذلك يساعدهم على التصدي لأي حوادث مماثلة في المستقبل. والدعوة على الجانب الآخر من جهة أطراف مجتمعية عديدة، وفي مقدمها الحركات الطالبية والشبابية والنسائية الفاعلة، إلى إدخال تعديلات على القوانين والتشريعات القائمة، بل وإصدار تشريعات جديدة بما يستهدف فرض قيود مشددة على حمل السلاح أو ضمان توافر شروط قاطعة لاستخدامه أو على أقل تقدير فرض حد أدنى من السن للسماح بحمل السلاح لدى المواطنين الأميركيين.

وعلى رغم هذه المقدمة، فإن هذا المقال لا يهدف على وجه التحديد إلى تناول قضية حمل السلاح في المجتمع الأميركي أو الإسهاب فيها، ولكننا نأخذ هذه القضية فقط كمدخل لموضوع أعم وأشمل وأعني به الأولوية التي تحظى بها القضايا الداخلية لدى المواطن الأميركي ومنظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً إذا ما قارناها بالأهمية التي يوليها المواطن الأميركي العادي للقضايا الخارجية، أي قضايا العالم التي تقع أو تجري فعالياتها خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية.

فمنذ سنوات طويلة كنا نستمع من أساتذتنا، من الذين درسوا أو عاشوا سنوات في الولايات المتحدة الأميركية، إلى مقولة أن المواطن الأميركي لا يهتم سوى بالموضوعات التي تمس حياته اليومية، أي القضايا الداخلية لمجتمعه، سواء على مستوى المدينة أو القرية أو الولاية أو الدولة ككل وأنه لا يلقي بالاً لما يدور خارج تلك الحدود طالما لا تؤثر في أوضاع الداخل. وكنا كشباب –آنذاك- نتشكك في صحة هذه المقولة وصدقيتها من منطلق افتراض أن مواطني الدولة الأقوى والأهم في العالم هم بالضرورة معنيون بأمور العالم من حولهم باعتبار أن دولتهم عليها مسؤوليات تجاه هذا العالم كما أن لها مصالح ملموسة في مختلف مناطق وأقاليم هذا العالم.

إلا أنه عندما أُتيحت لي فرصة العمل والإقامة في الولايات المتحدة الأميركية على مدار سنوات متتالية في العقد الأول من الألفية الثالثة، أدركت مدى صحة وصدقية، بل وعمق، هذه الحالة الخاصة بالتركيز شبه الكامل للمواطن الأميركي العادي على القضايا التي تمس حياته اليومية وما يواجهه هو وأسرته من مشكلات أو تحديات وما لديه من تطلعات وأحلام، وأنه ليس في الأمر ثمة مبالغة عندما نعتبر أن قائمة الاهتمامات الأولى للمواطن الأميركي تكمن في قضايا داخلية تتراوح ما بين الشعور بالأمن، وما يرتبط به من موضوع حرية حمل السلاح واقتنائه، وكذلك ما يرتبط به من أولوية لموضوع مكافحة الإرهاب، وأيضاً توفير الأمن في المدن والقرى المختلفة. ثم موضوعات مثل الحاجة إلى نظام تأمين صحي شامل وكفء وفعال، وإصلاح نظم التعليم في مختلف مستوياته وضمان تميزه، وكذلك قضايا من عينة الموقف تجاه «حكم الإعدام» الذي ما زال سارياً في الكثير من الولايات الأميركية، وتجاه موضوع «الإجهاض» ومدى الحق في ممارسته أو فرض حدود أو قيود على هذا «الحق» أو حظره كلية. وهو «حق» مختلف عليه أيضاً في ما بين مختلف الولايات الأميركية، وكذلك هناك موضوعات الضرائب المختلفة ما بين زيادتها أو تخفيضها ما بين إدارة وأخرى وكونغرس وآخر وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والتي تمس جوهر المتطلبات الحياتية اليومية والأسرية للمواطن الأميركي. كما توجد قضايا أخرى، منها الموقف من الجماعات الاجتماعية «المثلية» ومدى الاعتراف بها ومدى ما يُمنح لها من «حقوق»، وهو أيضاً من الأمور التي يوجد اختلاف عليها ما بين ولاية أميركية وأخرى.

وحتى الحالتين التاريخيتين اللتين اهتم فيهما المجتمع الأميركي بقضايا خارجية فقد نتجتا من اعتداءين عسكريين خارجيين على الأرض الأميركية ما جعل المواطنين الأميركيين يشعرون بأنهم مستهدفون ومهددون في أمنهم داخل مجتمعهم، وأن كلاً من نمط ونظام حياتهم اليومية صارا موضع هجوم. وأعني هنا حالة الهجوم على ميناء بيرل هاربور الأميركي من قبل اليابان خلال الحرب العالمية الثانية وكذلك حالة اعتداءات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. ووصلت أهمية وأولوية القضايا المجتمعية الداخلية لدى المواطن الأميركي العادي إلى درجة أنه بات من المعايير الأساسية لديه للحكم على الجمعيات التي تمثل أقليات عرقية أو دينية معينة مقيمة منذ عقود، أو قرون، داخل المجتمع الأميركي، وعلى درجة ولائها وانتمائها للمجتمع الأميركي وانصهارها واندماجها فيه هو معيار مدى الأولوية التي تمنحها هذه الجمعيات والمنظمات للقضايا الداخلية للمجتمع الأميركي ضمن مجالات اهتمامها. وفي هذا المقام تحديداً، يشار مثلاً إلى أن أحد أهم أوجه النقد التي أعربت عنها دوائر أميركية، وفي مقدمها وسائل إعلام ومراكز أبحاث ودراسات على مدار سنوات، تجاه جمعيات ومنظمات تمثل الأميركيين من أصول عربية أو الأميركيين المسلمين؛ كان أن هذه الجمعيات والمنظمات لم تعر القضايا الداخلية الحيوية، والتي تحظى بأولوية لدى المواطنين الأميركيين العاديين، الاهتمام الذي تستحقه؛ بل إنها منحت الأولوية لقضايا قد تكون ذات أولوية لدى العرب والمسلمين ولكنها تعتبر قضايا خارجية بالنسبة إلى المواطن الأميركي العادي. وذلك مثل قضية فلسطين أو الأوضاع في بلدان عربية بعينها، مثل العراق أو سورية أو لبنان أو السودان أو اليمن أو غير ذلك من موضوعات. بينما تتعامل تلك المنظمات والجمعيات مع القضايا الداخلية للمجتمع الأميركي من عينة القضايا التي ذكرناها سابقاً، مثل الضرائب والرعاية الصحية والتعليم وغير ذلك، في أولوية متأخرة تالية لقضايا العالمين العربي والإسلامي. وهو الأمر الذي يبقيها محل اتهامات ومثار شكوك من جانب المواطن الأميركي العادي بأنها لم تنصهر أو تندمج في شكل تام في النسيج الوطني والاجتماعي الأميركي.

ويأتي هذا الانتقاد في مفارقة مع جمعيات ومنظمات تمثل أقليات دينية أو عرقية أخرى، مثل اليهود أو الهنود أو الإرلنديين أو البولنديين، ونجحت في أن تعكس اندماجها في المجتمع الأميركي عبر منح الأولوية في اهتماماتها لقضايا يومية حياتية تهم المواطن الأميركي العادي ضمن القضايا الداخلية المذكورة في ما سبق. وبالتالي أبرزت للمجتمع الأميركي أنها جزء لا يتجزأ منه وأنها نجحت في اكتمال انصهارها واندماجها في هذا المجتمع ضمن بقية المواطنين الأميركيين العاديين.

والثابت من كل ما تقدم، أنه تبقى حقيقة أنه على رغم تغير الأزمنة والعصور، وتعاقب إدارات جمهورية وأخرى ديموقراطية على الحكم في الولايات المتحدة الأميركية وكذلك تعاقب أغلبية من هذا الحزب أو ذاك على الكونغرس الأميركي بمجلسيه، فإن الثقافة الاجتماعية، ومن ثم السياسية، السائدة، أو على الأقل الغالبة، في المجتمع الأميركي، تبقى محكومة في المقام الأول بأولوية القضايا والهموم والاعتبارات والتطلعات الداخلية على ما عداها لدى المواطن الأميركي العادي، ومسألة الحق في حمل السلاح هي مجرد مثال على ذلك لا أكثر. ولا يتحول الاهتمام إلى القضايا الخارجية لدى هذا المواطن إلا عندما تمس تلك الأخيرة أيضاً حياته وحياة أفراد أسرته اليومية، كما هو الحال مثلاً بالنسبة إلى تهديدات العمليات الإرهابية، أياً كان مصدرها، على شعور المواطن الأميركي بالأمن، ومن المهم أن نتعامل على أنه من غير المتوقع أن يتغير هذا النمط في المستقبل المنظور.

نقلًا عن الحياة اللندنية

GMT 13:43 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة في غزة كُبرى؟

GMT 11:56 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الوطن والشعب.. وأنا

GMT 08:20 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

درع العرب (1) نواة القوة المشتركة

GMT 09:54 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

مسقط... رؤية مختلفة

GMT 08:32 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

عودة الوحش

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجتمع الأميركي وقضاياه الداخلية المجتمع الأميركي وقضاياه الداخلية



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon