بقلم : مجدي شندي
بعيداً مِن انتخابات الرئاسة المصرية المرتقبة، فإن الانتخابات البرلمانية والبلدية والنقابية، وحتى انتخابات مجالس إدارة الأندية الرياضية في مصر، تمثل «مواسم رزق»، ومواسم اصطفاف لمَن يعرفون اتجاه الريح لتحقيق مكاسب وإن كانت آجلة. هناك محترفون ينتظرون الانتخابات ناظرين إليها كمواسم كسب سريع، وهؤلاء ينتشرون في المجتمع من قمته إلى قاعه.
ليس هناك أحدٌ غير صالح لتحقيق مكاسب. تحتاج الانتخابات إلى حشود، إما لتحرير توكيلات، أو أمام اللجان لترجيح كفة مرشح على مرشح أمام الصناديق، وهؤلاء عادة ليس لديهم تصنيف سياسي ولا يتمتعون بالوعي الكافي لممارسة حقوقهم الطبيعية في المواطنة بما تقتضيه من واجبات.
هذه الكتلة الصامتة أو حزب الكنبة– كما يحلو لبعض الإعلاميين وصفهم– بينها شرائح تنتظر نوعاً من البشر، يترافق ظهوره مع الانتخابات، ويشبه «الخولي» أو «مقاول الأنفار»، مهمته أن يحشد للمرشح العدد الذي يريده ويضع سعراً لكل خدمة يسديها ابتداء من استخراج توكيل إلى الإدلاء بالصوت. وليس هناك مانع من تكليفه بمهمات أخرى بينها إغلاق طريق اللجان في مناطق يعرف المرشح الذي يدفع أنه لا شعبية له فيها أو إثارة الشغب أو شغل القضاة أو الموظفين الموكولة لهم الصناديق لتسهيل التدخل الناعم وحشو الصناديق بأصوات غير حقيقية، ووفق قدرات المرشح وإمكاناته المادية.
ففي إحدى دورات انتخابات نقيب الصحافيين، فوجئ أصحاب الفكر والقلم بسيدات بالعشرات من مناطق شعبية، كما تدل ملابسهن ولهجاتهن، مهمتهن إطلاق الزغاريد وترديد أغنيات شعبية يحشرن فيها اسم المرشح المستفيد، وفرق للمزمار البلدي، وكان كرنفالاً دالاً على أن جيب المرشح الذي كان منتفخاً قبل الانتخابات سيصبح فارغاً بعدها.
من لديه إمكانيات ويتوفر له دعم يمكنه أن يخوض أي انتخابات ويوظف أي عدد يشاء لأسابيع أو أيام معدودة وربما ليوم واحد. السرادق الشعبية أيضاً يتم الحشد لها من على المقاهي ومن شوارع المناطق العشوائية وعمال اليومية. فما الذي يضير عامل يومية أن يتقاضى أجره المعروف وأكثر وبدلاً من تكبد المشقة لتسع أو عشر ساعات في اليوم، وهو بإمكانه أن يستحم ويلبس أفخم ملابسه لحضور مؤتمر يستمر ساعة واحدة ويعود بأجر يوم. ينشط أيضاً سوق «البودي غاردات» لحماية المرشح من البهدلة أو الإهانة وسط الجموع وأحياناً للمنظرة والإيحاء بأن حوله أنصاراً أشداء يُخشى منهم. ولأن الانتخابات تحتاج إلى لافتات تعلق في الشوارع، فإن سوق الخطاطين والمطابع ينتعش. وينتعش أيضاً سوق السيطرة في الشوارع، بمعنى حجز أماكن متميزة للافتات المرشح وحراستها من التمزيق أو الإزالة وأحياناً تمزيق لافتات الخصوم أو حجبها بلافتات للمرشح الذي يستخدمهم. وفي أوقات الفرز يتعين حراسة الصناديق والتجمعات الحاشدة التي تهتف باسم المرشح على أبواب اللجان أو تشوه الخصوم. كما تنشط تجارة بيع المساحات الإعلامية سواء على الشاشات أو في الصحف، طالما أن أجهزة الدولة لا تأخذ موقفاً من المرشح، ولأن الهيئة العليا للانتخابات تحدد حداً أقصى لإنفاق المرشح في كل انتخابات، كثيراً ما يتم التحايل على ذلك إما بالإنفاق خارج الدفاتر أو باستخدام رشاوى عينية، وهو ما يدفع إلى التساؤل: ما الذي يفيد مَن يُنتخب لأداء دور عام، وهل هناك مزايا أخرى غير المقابل المعلن الذي يتقاضاه مَن يتم انتخابه لوظيفة؟ في انتخابات نوادٍ رياضية، أنفق بعض المرشحين عشرات الملايين، وحين سئلوا عن المردود أجابوا في برامج تلفزيونية بأن عضويتهم أو رئاستهم لمجلس إدارة ناد شهير تسهل عليهم لقاء أكبر المسؤولين وتحقيق استفادات في تسيير أعمالهم الخاصة، فما بالك بالمناصب السياسية أو التنفيذية؟
نقلًا عن الحياه اللندنية