بقلم : طلعت إسماعيل
بين المصريين والروس علاقات ممتدة عبر سنوات طويلة شهد بعضها من المد ما شكل ذروته التعاون المثمر فى بناء السد العالى، ومن الجزر العميق الذى اعقب طرد الرئيس السادات الخبراء السوفيت فى يوليو عام 1972، غير أن مقولة «المصالح تتصالح» كان لها الأثر الأكبر فى استعادة الدفء إلى تلك العلاقات وخاصة عقب انهيار الاتحاد السوفيتى، ووراثة روسيا لتركته، بما لها وما عليها من تفاصيل، فى العلاقات مع دول العالم، وبينها مصر بطبيعة الحال.
وعقب ثورة 30 يونيو 2013 ربما كانت موسكو سباقة فى الوقوف إلى جوار القاهرة عقب إزاحة الإخوان عن الحكم، ودخولنا فى مرحلة تقارب بدا واضحا بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ونظيره الروسى فلاديمير بوتين الذى زار القاهرة فى فبراير 2015، بعد عشر سنوات من زيارته الأولى، وهو ما جرى التعويل عليه كثيرا لإحداث توازن فى علاقات مصر الخارجية بين الشرق والغرب.
غير أن عام 2015 أبى أن يمر من دون حدوث انتكاسة فى العلاقات بين القاهرة وموسكو، فقد شهد يوم 31 أكتوبر من العام ذاته، حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ فى طريقها إلى مدينة سانت بطرسبورج، قبل أن تعلن نتائج تحقيقات مركز الاستخبارت الروسى فى 17 نوفمبر 2015 أن قنبلة بدائية الصنع كانت وراء الكارثة المروعة التى اسفرت عن مقتل 224 سائحا.
وكما هو متوقع، وما يمكن تفهمه فى حينه أيضا، قامت موسكو بإجلاء عشرات الآلاف من السياح الروس من منتجعات البحر الأحمر، لتشكل ضربة موجعة لقطاع السياحة المصرى، ولتدخل علاقتنا مع روسيا مرحلة من البرود إن لم يكن الجمود، لكن مقولة «المصالح تتصالح» عادت من جديد، لتستعيد مصر جانبا من دفء تلك العلاقات، وراحت وفود روسية تأتى وتعود للاطلاع على عمليات التأمين الشاملة التى اتبعتها مطاراتنا فى شرم الشيخ والغردقة، والتى اعترف الروس أنفسهم بمدى تطورها.
ما جرى من تحديث لأمن المطارات كان أمرا طبيعيا عقب حادث سقوط الطائرة، وما ترتب عليه من خسائر مادية ومعنوية لقطاع السياحة، واستهدف فى شق منه استعادة الحياة لهذا القطاع عبر عودة السياح الروس، غير أن الرسائل لم تأت على القدر الكافى الذى عولنا عليه، إذ أخذ الأصدقاء الروس يراوغون، ولم نحصل منهم سوى الوعود.
البعض ربط وقتها بين تمنع الروس عن فتح الباب أمام عودة السياح، وانتظار توقيع القاهرة وموسكو على عقود بناء محطة الضبعة النووية، بقرض روسى تقدر قيمته بنحو 25 مليار دولار، وفى 11 ديسمبر الماضى انتعشت آمالنا فى عودة الحركة السياحية الروسية، بعد أن وقع الرئيس السيسى، والرئيس بوتين فى القاهرة تلك العقود، واعتقدنا وقتها أن عشرات الآلاف من الروس سيهرعون إلى دفء شواطئنا، غير أن ذلك لم يحدث.
انتظرنا مجددا حتى أصدر الرئيس الروسى مرسوما فى 4 يناير الماضى لاستئناف حركة الطيران بين القاهرة وموسكو، وقلنا إنها خطوة جيدة على طريق عودة تلك الرحلات فى المدى المنظور إلى مقاصدها الأساسية فى الغردقة وشرم الشيخ، وأعلن يومها أن تلك العودة ستبدأ مع مطلع فبراير من العام الحالى، قبل أن يتم تأجيل الموعد مرة تلو الأخرى لنصل إلى محطة انتظار جديدة قيل إنها ستكون أول إبريل، وما أدراك أول إبريل!!
المعلوم أن السائح الروسى هو الأقل انفاقا مقارنة بالسياح من جنسيات أخرى، فلماذا نعول على عودته إلى هذه الدرجة التى تقابل بالمراوغة والتسويف؟ وهل هى قضية ترويج تذاكر طيران واجتذاب ركاب، أم أن للسياسة أصابعها؟، القضية فى نظرى ذات ابعاد متشعبة ولا يمكن النظر إليها بخفة، فعودة السائح الروسى شهادة ثقة كبيرة فى أمن مطاراتنا، وتأمين منتجعاتنا السياحية، بما يفتح بابا واسعا أما تدفقات سياحية أخرى نحن أحوج ما نكون إليها فى اللحظة الراهنة،...و«إنا منتظرون».
نقلا عن الشروق القاهريه