بقلم - ريهام فؤاد الحداد
خبر على مواقع التواصل الاجتماعى مفاده أن تلميذة بإحدى المدارس الإعدادية، ضُبطت تتحدث مع زميل لها أو شىء من هذا القبيل، فما كان من إدارة المدرسة إلا أن عنَّفت الفتاة وتوعدتها بأن فزعاً أكبر ينتظرها بالبيت، وبأنهم قد أبلغوا أسرتها بالجرم المشهود. الطفلة المسكينة تخلصت من الرعب وشبح العودة إلى المنزل ومن حياتها بأن تجرعت سماً!
هذه الحادثة وما يشبهها وما هو أعنف منها، يجب أن يوقظ هذا المجتمع، إلى متى الجهل يستشرى ويلتهم العقول؟! جهل القائمين على العملية التعليمية وجهل الأسر وأولياء الأمور، هناك جملة عقيمة تقال من الجميع (لا تتحدثوا مع الأطفال عن المشاعر؛ كى لا تتفتح أعينهم باكراً!) بالله عليكم كيف تعقلون الأمور؟!
تحدثوا عن المشاعر برقى وبفهم وبطهر ونقاء، علموا أولادكم أن المشاعر البريئة المحترمة الملتزمة شىء طيب، وأنها تأتى بوقتها فلا يستعجلون، علموهم أن الحب والمشاعر صوره متعددة، حب الله وحب الوالدين وحب الوطن وحب الأصحاب والأقارب والإنسانية والكون والمخلوقات، علموهم أن لين القلب وتحرك المشاعر شىء طيب، وأن الانجذاب نحو الطرف الآخر شىء طبيعى لكن فى وقته المناسب، وبضوابط وأخلاق ونظام، علموهم حدود المجتمع والشرع والدين ولكن لا ترهبوهم، لا تفزعوهم، لا تحطموا مشاعرهم ووجدانهم، لا تشوِّهوا إنسانيتهم، لا تغتالوا قلوبهم ولا تصنعوا بينهم وبينكم الجسور والأسوار فتكثر المشاكل والأسرار.
إن أسرع وأبلغ طرق العلاج هى الوقاية، منذ الطفولة الأولى، قصوا عليهم قصص الطفولة البريئة سواء من كلاسيكيات الأدب العالمى أو القصص التراثية الشعبية المعروفة منذ القدم، هذه القصص ترسخ للمشاعر الراقية والمعانى الرائعة من الشهامة والبطولة والتحلى بالأخلاق الحميدة فى الحياة من خلال قصص حب رومانسية، ترسخ معنى مهماً بأن الحب مقترن بالأخلاق والعفاف والطهر والبراءة، وأن المحبة تقترن بالخجل والحياء والعفة والأدب.
كلما كبروا طوروا لغة الحوار وصادقوهم، قللوا المسافات بينكم وبينهم ليسهل توجيههم وتتمكنوا من اكتشاف ما يحيط بهم باكراً، فتستطيعوا التوعية والتنبيه والتحذير، احكوا لهم أن بهذا العالم أشراراً وأن ليس كل ما يقال يصدق، عودوهم أن يخبروكم بما يجيش فى صدورهم.
علموهم قبل كل شىء محبة الله واتباع أوامره سبحانه، وخشية إغضابه، وأنه موجود دائماً يرى ما نفعل، لهذا يجب أن تكون أفعالنا صحيحة مهذبة ومحترمة.
أنت لا تحتاج إلى مراقبة أولادك أو تضييق الخناق عليهم، إذا أنت اعتنيت بتربيتهم أولاً، واعتنيت بزرع القيم والأخلاق بوجدانهم. رَبِّ أولادك بعناية وتفتح ذهن وتنوير واعتدال ومحبة وقرب، لا تفريط ولا إفراط.
لا تجعل خوفك أو جهلك بأسس التربية حاجزاً بينك وبين مناقشة أمور الطفولة والمراهقة الحساسة والشائكة والخطرة، وتذكر أن الإنسان عدو ما يجهل، فإن جهلت اسأل أهل الخبرة، اقرأ، تعلم لتعلم أطفالك وتربى أبناءك، لكن لا تدفن رأسك بالرمال ولا تقل «ما زال الأمر مبكراً، ما زالوا أطفالاً» لأن التوعية تكون بجميع الأعمار، كل فئة عمرية لها ما يناسبها، والأطفال يكبرون بأسرع مما تتخيل والقيم والمبادئ التى تزرعها باكراً، يصعب جداً ترسيخها لاحقاً، ابدأ من اليوم، اقترب من أطفالك وتعامل مع عقولهم وقلوبهم وسوف تجد الكثير، عقولهم لا تتوقف عن طرح الأسئلة، حاول أن تجيب أنت عنها بطريقة صحيحة، قبل أن يتلقوها من المصادر المغلوطة.
نقلا عن الوطن القاهريه