نحن نبحث عن كل ما يجذب المزيد من السياحة إلى مصر.. ونستخدم فى ذلك وسائل الإعلام والترويج والتسويق الحديثة اعتمادا على مقومات مصر السياحية الفريدة من مناخ رائع طوال العام إلى شواطئ وبحار ممتدة ومقومات طبيعية أكرم الله بها مصر، فضلا عن مقومات حضارية وتاريخية وأثرية وثقافية تشكل ما نسميه «قوة مصر الناعمة».
إن هذه القوة هى «درة التاج» فى قوى التأثير التى تتمتع بها مصر وأكسبتها مكانة دولية مرموقة بين دول العالم وهى التى تصنع الوهج والبريق للمصريين بين شعوب العالم، خاصة عندما يتعلق الأمر بحالة العشق والولع بالحضارة الفرعونية المصرية القديمة.
ولذلك تعجبت كثيرا عندما انفجرت فى كل وسائل الإعلام تقريبا بما يمكن أن نسميه أزمة تنظيم معرض لآثار الملك الفرعون الصغير «توت عنخ آمون» فى لوس أنجلوس بأمريكا 22 مارس المقبل.. ورفض البعض عن قصد أو دون علم قيمة تنظيم هذا المعرض لدرجة أننى تصورت أن ذلك يمكن أن يكون حربا على مصر لتجريدها من قوتها الناعمة لولا أننى رأيت بعض الأسماء اللامعة التى كتبت أو تحدثت فى هذا الموضوع والتى لا يمكن أن أشك أبدا فى وطنيتها وإخلاصها لمصر، لكن ربما يكون نقص المعلومات هو سبب رفضها.
توت عنخ آمون
ومع ذلك فإن الأمر عندى لا يخلو من أن هناك بعض الأسماء التى حاولت استغلال المعرض انتقاما من بعض الأشخاص فى الآثار أو هجوما على بعض المنظمين لأسباب شخصية دون حوار عاقل ومنطقى لما يمكن أن تحققه من مكاسب لمصر.. وهنا أذكر عددا من النقاط:
1 ـ إن تنظيم المعارض أصبح سمة من سمات العصر الحديث، والدول تنظم هذه المعارض فيما بينها جلبا لمنافع عديدة.. حتى الدول ذات الحضارات العريقة مثل الصين واليونان وروسيا وإيطاليا والعراق تنظيم معارض لآثارها وفنونها، وبذلك مصر ليست استثناء من هذا، بل إن مصر خسرت كثيرا فى هذا المجال، فهناك معارض كاملة ومتاحف دولية تتبادل تنظيم معارض للآثار المصرية الفرعونية وتحقق من ورائها مكاسب طائلة، ومصر تقف عاجزة أو تضع نفسها فى موقف المتفرج فقط ولا تحقق أى مكاسب.. بل إن الأمر تعدى تنظيم المعارض، خاصة من بعض الدول مثل الصين وغيرها التى تنتج آثارا مقلدة للآثار الفرعونية، وتحقق من ورائها مكاسب ضخمة.. وما شارع خان الخليلى ببعيد لنتأكد من ذلك، ونبقى نحن الخاسرون بالطبع ولا نستفيد مليما واحدا.. لقد أصبحت هذه الظاهرة بمثابة تجارة عالمية ضخمة.
إن بعض من يقولون إن المعارض الأثرية بالخارج لا تفيد السياحة، ومن يرغب فى رؤيتها عليه ان يأتى الى مصر.. نقول لهم إن هذا كلام غير صحيح.. فأنتم لاتدركون كيف تتحرك السياحة الدولية حاليا فى العالم، فما تقدمه الآثار يمكن أن نسميه مجازا «فاتح شهية» لرؤية المزيد عند زيارة مصر مع الاعتراف بأن السياحة الثقافية فى العالم تراجعت إلى 15٪ تقريبا، وتحول الجميع الى السياحة الشاطئية، ولذلك نحتاج الى مثل هذه المعارض للتنشيط.
2 ـ إن مصر استطاعت أن تدخل عالم تنظيم المعارض الأثرية منذ سنوات مع حملة إنقاذ آثار النوبة، ثم تطورت المعارض وحققت للآثار مبالغ فاقت 150 مليون دولار تستغل فى ترميم الآثار وتطوير المناطق الأثرية والمتاحف، ولولا هذه المبالغ ما حدث تقدم فى هذا المجال.. وهذا معناه أن المعارض يمكن أن تشكل دخلا مهما للحفاظ على الآثار للمستقبل.
3 ـ أن تخوف البعض من حدوث تلفيات لبعض القطع هو تخوف مشروع، لكن ليس معنى هذا ألا يتم تنظيم المعارض.. فإذا رفضت مصر؛ فالمتاحف العالمية بما تملكه من آثار مصر لن تتوقف عن تنظيم هذه المعارض وتحقيق مكاسب مادية.. ونحن هنا لا نطالب بأن يكون التنظيم «سداح مداح».. ولكن يجب تطبيق القانون والالتزام بالضوابط والتأمين، ومن يخطئ فى هذا أو يتهاون يجب محاسبته.
4 ـ إن الخوف من تنقل المعارض بين مدن العالم أيضا مشروع.. لكن هل وقوع حادث لطائرة منع الناس من السفر.. طبعا لا.. هل جلس الناس فى بيوتهم وتوقفوا عن العمل؟.. طبعا لا.. إذن الخوف لا يمنع الحركة والحياة والعمل.. المهم أخذ احتياطات السلامة.
5 ـ أكثر ما أغضبنى فى هذه الحملة على رفض معرض توت عنخ آمون أن البعض يتصور أنه هو فقط الأمين على تراث مصر وأن منظمى هذه المعارض غير أمناء بل يظن أنهم فاسدون وخونة.. وهو أمر مرفوض تماما وأنا أعرف كثيرا من هؤلاء المنظمين فى وزارة الآثار ومن الخبراء الذين أفنوا أعمارهم فى الحفاظ على آثار مصر.. وليسوا أقل وطنية وطهارة ونظافة يد من بعض من يتشدقون بكل القيم الجميلة.
6 ـ رأيى بصراحة أنه يجب ألا تنفصل مصر عن العالم، وأن هذه المعارض مهمة جدا لمصر فى هذه الظروف سياسيا وثقافيا واقتصاديا وسياحيا.. بل أزيد على ذلك وأقول أتمنى لو أن الرئيس عبد الفتاح السيسى سمحت له ظروفه بافتتاح هذا المعرض للفرعون الصغير أو عندما ينتقل إلى مدينة أخرى فسيحدث ذلك اهتماما دوليا إعلاميا كبيرا يصب فى مصلحة مصر الحضارة والثقافة والتاريخ والسياحة.
ولماذا نذهب بعيدا؟.. ألم نر جميعا الرئيس الفرنسى ماكرون يفتتح فى نوفمبر الماضى مع قادة الإمارات الشقيقة متحف «اللوفر» فى أبو ظبى الذى انتقلت إليه تحف وآثار من فرنسا وهو ما يعد دليلا على عظمة فرنسا واهتمامها بالحضارة والآثار والفنون؟.. والمثير أن هذا المتحف به قسم للآثار الفرعونية من متحف اللوفر فى باريس، لقد سمعنا ماكرون يقول: إن هذا المتحف جسر بين الحضارات، وإن هؤلاء الذين يدعون أن الإسلام يسعى إلى تدمير الديانات الأخرى كاذبون!!، كما سمعنا كثيرا عن رؤساء دول كبرى يفتتحون مثل هذه المعارض الأثرية والمتاحف.
7 ـ لن أتحدث عن تفاصيل العائد المادى للمعرض، لكن ما أعرفه أن الآثار بحاجة إليه للترميم والتطوير، وأن المعرض سيحقق فى كل مدينة نحو 10 ملايين دولار لمصر، وأنه مؤمن عليه بمبالغ ضخمة «مليارات»، وأن السفير الأمريكى بالقاهرة قدم خطابا من الحكومة الأمريكية تتعهد فيه بضمان سلامة وحماية القطع ضد الحجز والاستيلاء والمصادرة، كما أن اللجان المختصة رفضت سفر التابوت والقناع وكرسى العرض، وأن الذى سيعرض فى أمريكا 166 قطعة من بين أكثر من 5 آلاف قطعة كتوت عنخ آمون.
8 ـ بقى أن أشير إلى ضرورة تعاون وزارتى الآثار والسياحة فى تنظيم هذه المعارض والاستفادة منها لتنشيط السياحة إلى مصر.. وياليت الدعوة توجه لبعض أصحاب الشركات الذين يهتمون بالسياحة الثقافية والأقصر وأسوان، ففى أمريكا تحديدا الهدف الأول من السياحة إلى مصر هو السياحة الثقافية.. ويجب أن تبقى هذه السياحة درة السياحة إلى مصر وتميزها وتفردها عن العالم كله.
نقلا عن الاهرام القاهريه