بقلم : د. محمود خليل
يوم 28 أكتوبر الماضى شهدت ولاية بنسلفانيا الأمريكية حادث إطلاق نار أودى بحياة 11 شخصاً، كانوا يتعبدون داخل كنيس يهودى بمدينة بيتسبرج، الشرطة الأمريكية قبضت على المتهم بارتكاب الحادث، وهو أمريكى يدعى «روبرت باورز»، ووصفته وسائل الإعلام الغربى بأنه «ذكر أبيض» قام بارتكاب الجريمة، وقالت إن حساباته على مواقع التواصل الاجتماعى تعج بالتدوينات التى تعكس اتجاهاته المعادية للسامية. عقب هذا الحادث بـ10 أيام شهدت ولاية كاليفورنيا حادثاً جديداً أودى بحياة 12 شخصاً، بينهم ضابط شرطة، حين أطلق «مسلح»، وهو بالمناسبة «ذكر أبيض» أيضاً، النار على رواد ملهى ليلى بكاليفورنيا.
لم تحظَ الواقعتان بما تستحقان من اهتمام من جانب الإعلام الغربى الذى دأب على إفراد مساحات كبيرة لهذا النوع من الحوادث، ولكن يبدو أن غياب «العنصر الأسمر» عنها، سواء كان غربياً أو شرقياً، هو السبب فى ذلك!
الإعلام الغربى، وكذا مؤسسات صناعة القرار، لا يريدان الاعتراف بأن الإرهاب لا دين له، ولا مراجعة تصورهم الذى يذهب إلى أن الإرهاب مرتبط بدين بعينه. الإرهاب فى الأول والآخر ثقافة وبيئة قادرة على إذكاء نار التعصب، وهى نار تندلع وتحركها رياح التوتر والإحباط العام التى تسود مجتمعات معينة خلال فترات زمنية خاصة، ويتفاعل معها أفراد المجتمع بصور مختلفة، فمنهم من يستوعبها ويتفاعل معها بعقلانية، وهناك أشخاص غير طبيعيين يتفاعلون معها بنفوس مهزوزة وعقول مشوشة فيستجيبون لها ويصبحون جزءاً من نارها.
الإرهاب لا يرتبط بلون (ذكر أبيض أو أسمر) قدر ما يرتبط برعاية دول وأجهزة. داخل تنظيم «داعش»، على سبيل المثال، يظهر الذكور البيض إلى جانب الذكور السمر، لأن «داعش» ببساطة ليس تنظيماً بل شركة عابرة للجنسيات والألوان البشرية، شركة ترعاها دول ومؤسسات تستهدف تحقيق أهداف ومصالح محددة فى مناطق معينة من العالم، وإلا بماذا نفسر تمكن «داعش» من بيع بترول المناطق التى استولت عليها فى العراق عبر دول معينة لتطرح فى السوق العالمية للنفط؟!
الإرهاب تمويل قبل أن يكون ديناً، فهناك مرتبات سخية تُدفع للإرهابيين وأسرهم، ومبالغ ضخمة تُبذل من أجل توفير السلاح والمعدات اللازمة لتنفيذ العمليات، ومبالغ أضخم تُدفع بهدف الحصول على معلومات تيسر للتنظيمات الإرهابية القيام بمهماتها القذرة.
الإرهاب ليس ديناً، بل هو ثقافة وأجواء مواتية تساعد على نموه بسبب ما يسودها من توتر واحتقان وإحباط، وهو أيضاً توجه تتبناه وترعى عناصره دول، ومال وفير يبذل من أجل تحقيق مصالح أكبر وأموال أوفر. ذلك ما لا يريد الإعلام الغربى الاعتراف به، حين يصر على إلصاق الإرهاب بعقيدة دون أخرى، ويعبر على العديد من الحوادث الإرهابية الأخرى لأنها لا تنطلق من رؤيته النمطية، ولا تخدم الفرضيات التى تتأسس عليها رسالته، لذلك تجده يهرب من الحقيقة ويكتفى بوصف المتهمين بارتكاب أفعال إرهابية معينة باللون «ذكر أبيض». والهروب فى مثل هذه الأحوال هو نوع من الإرهاب.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع