بقلم: د. محمود خليل
التنظيم الأول لأصحاب الثقافة النصوصية من «الخوارج» ضم مجموعة من الرجال المصلين الصوّامين القوّامين.
قبل أى تحرك لهم كانوا يقضون ليلهم فى العبادة، يتلون كلام الله تعالى، وكأنهم يريدون طمأنة أنفسهم أنهم يسعون فى سبيل الله.
مؤكد أن كثيراً من الخوارج، وأحفادهم من الإرهابيين المعاصرين ينتابهم فى الكثير من اللحظات الشك فيما هم عليه. فالقتل وسفك الدماء ليس بالأمر السهل أو المسألة الهينة. مؤكد أنه قبل وبعد كل عملية تقفز فى أذهانهم أسئلة وتتدفق استفهامات حول علاقة ما يفعلون بدين الله.
ربما نسوا كل هذه الأمور فى لحظة القتل نفسها، لكن مؤكد أن الأمر يختلف قبلها وبعدها. فى هذا السياق يمكن أن نفسر عملية الانغماس فى العبادة التى تميز أعضاء هذه التنظيمات.
إنهم يغرقون فى العبادة هرباً من الإجابة عن السؤال الأخطر فى حياة أى إرهابى: «كيف أقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق؟». آخرون من أعضاء هذه التنظيمات لا تثور فى ذهنهم أسئلة من هذا النوع، ويمكن الزعم بأن أغلبهم هكذا، لأنهم ببساطة يأخذون بظاهر القرآن، ويحملون القرآن فى حناجرهم وليس فى قلوبهم، لأن من تمكن القرآن من قلبه لا يترخص فى القتل، ولا يتوحش فى سفك الدماء بهذه الصورة. «يتلون كتاب الله لا يجاوز حناجرهم»، كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلهيهم أهدافهم السياسية فى الاستحواذ على السلطة والسلطان عن الاستماع للنصح.
هكذا بدت التنظيمات الخارجية الأولى، ثاروا على الخليفة على بن أبى طالب لأنه وافق على إيقاف شلال الدم المسلم فى «صفين» وقبل بالتحكيم، ولما عاد إلى وجهة نظرهم وقرر الاستمرار فى مواجهة معاوية بن أبى سفيان رفضوا العودة إليه، لأنهم كانوا يبحثون عن السلطة وليس عن الحق.
كتب «على» إلى الخوارج بالنهروان رسالة قال فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله على أمير المؤمنين إلى زيد بن حصين وعبدالله بن وهب ومن معهما من الناس.. أما بعد، فإن هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمين قد خالفا كتاب الله واتبعا هواهما بغير هدى من الله فلم يعملا بالسنة ولم ينفذا القرآن حكماً فبرئ الله منهما ورسوله والمؤمنون، فإذا بلغكم كتابى هذا فأقبلوا إلينا فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم ونحن على الأمر الأول الذى كنا عليه».
لقد أعلنها «على» صريحة بأنه عاد إلى وجهة نظرهم، وأدرك المؤامرة التى حيكت ضده فى مسألة التحكيم، وكيف أن الحكمين لم يعملا طبقاً للشروط التى وضعها المختصمون لإدارة «المحكمة»، وعلى رأسها الالتزام بالقرآن والسنة وأحكامهما فى هذا السياق، لكن الخوارج لم يرضوا، وهو ما يثبت أنهم لا ينشغلون بالحق، قدر ما يهتمون بتحقيق أهدافهم، وإملاء رأيهم على الآخرين بالقوة.
رد الخوارج على رسالة الخليفة قائلين: «أما بعد فإنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نبذناك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين».
لقد بلغ بهم السفه مبلغه حين طلبوا من على بن أبى طالب أن يشهد على نفسه بالكفر ويتوب إلى الله تعالى.