بقلم : محمود خليل
تعد معركة «بلاط الشهداء» محطة فاصلة فى تاريخ الصراع بين المسلمين وأوروبا. ولو أن النصر تحقق للمسلمين فى هذه المعركة لكانت دول أوروبا اليوم مسلمة مثلها فى ذلك مثل دول شمال أفريقيا المختلفة. قاد «عبدالرحمن الغافقى» هذه المعركة، وبدأها بعبور الجبال الفاصلة بين كل من إسبانيا وفرنسا، وتوغل بجنوده، بعد ذلك، فى الأراضى الفرنسية ليُحقق النصر تلو الآخر، وكان أن أغرى جنوده بحصد الغنائم الناجمة عن انتصاراتهم، فثقلت -بسببها- حركة الجيش، وأبطأ إيقاعه فى السير والعدو والكر والفر. وظهرت نتائج ذلك عندما تواجه مع جيش «كارل مارتل» قائد الفرنجة، فكانت الهزيمة التى سقط على أثرها آلاف الشهداء من جنود المسلمين، وعلى رأسهم القائد «عبدالرحمن الغافقى».
هذه المعركة درس لأى فريق تغريه الانتصارات الأولى فى أى معركة بجمع الغنائم وحصد المكاسب دون تمهّل أو تريث، مما يؤدى إلى تثاقله وبطء إيقاعه فى المعركة التالية. المكسب حلو ولا شك، ولكن له عيباً وحيداً يتمثل فى أن ما تكسبه سوف يشكل حملاً عليك، لأنك تريد أن تحافظ عليه، وألا تفقده بأى صورة من الصور. وعندما تواجه معركة جديدة فإنك تتحرّك فيها بعينين: عين على المكسب المرتقب الذى تحلم بتحقيقه، وعين على المكسب المضمون الذى يوجد فى يديك. وإذا كانت مكاسب يديك عديدة فإنك تنتبه إليها أكثر، لتفقد تركيزك فى مواجهة المعركة الجديدة وتخسر فى النهاية كل شىء. والأولى بصاحب هذه الحال أن يكتفى بما فى يديه، وألا يبحث عن مغنم جديد، رافعاً شعار «عصفور فى اليد خير من عشرة على الشجرة»، أو أن يتعامل كإنسان صاحب قضية لا يبحث عن المغانم، قدر ما يجتهد فى تحقيق الهدف.
كان الإخوان المسلمون أجدر وأحق من غيرهم باستيعاب هذا الدرس، ليكتفوا بما حققوه من مكاسب خلال الأشهر الأولى بعد يناير 2011، ولا يحاولون المغالبة على غيرها، خصوصاً أنهم لا يتمتعون بأى قدرة على إدارة دولاب الدولة، وإدارة دولة بحجم الدولة المصرية ليست سهلة بحال. وقد أثبتت التجربة أن الإخوان جماعة لا تجيد اختيار أو إعداد كوادرها، ومفهوم التربية لديها لا يعنى شيئاً أكثر من تعويد العضو على السمع والطاعة والالتزام بـ«التكليفات». وهو المفهوم الأساسى الذى ترتكن إليه الجماعة، رغم تناقضه الصارخ مع مفهوم الحرية.
ظل الإخوان يعملون بهذه الطريقة أكثر من ثمانين عاماً، حتى ابتلاهم الله وابتلى مصر بصعودهم إلى سدة الحكم، فتشوا -ساعتئذ- فى دولابهم البشرى، لم يجدوا كوادر قادرة على التفكير بشكل مختلف فى زمن مختلف، واكتشف الكثيرون -بسرعة فائقة- ما يعتور كوادر الجماعة على كل المستويات، من ضحالة قدرات، وفقر مواهب، وعدم قدرة على تقديم أى رؤية مبتكرة، أو حلول مبدعة لمشكلاتنا المزمنة، هنالك سارعت الجماعة إلى الأداء بنفس الطريقة -وإن كان بمستوى أقل- التى أدى بها «مبارك» ورجال عهده وحزبه طوال ثلاثين عاماً، وبمرور الوقت أصبح قمة حلم «الإخوان» أن يصلوا بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية فى مصر إلى ما كانت عليه قبل 25 يناير 2011. وبدا حلمهم فى هذا السياق ترجمة للفكرة التى شرحها «ابن خلدون» حول «ولع الغالب بالمغلوب».