بقلم : محمود خليل
أى «قوة» تُلقى بنفسها فى حضن الاختبار لا بد أن تفشل، فحينما يحاول حزب أو قوة سياسية أو جماعة أو فرد الدخول فى صراع يستعرض فيه قدرته وسطوته، حتى يثبت للجميع أنه «الواحد الأحد»، فمؤكد أن الأمر سينتهى به إلى السقوط الذريع والمدوى. ذلك ما يقوله تاريخ صراع البشر على الأرض، وذلك أيضاً وعد خالق السماء والأرض الجالس فوق عرش ملكوته، الذى لا يرضى بأن تتوحد الحياة فى شخص أو قوة أو حزب أو جماعة، ليتحول إلى «إله معبود» من دونه. وصدق الله العظيم إذ يقول: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا».
لقد أرادت جماعة الإخوان بعد يناير 2011 أن تستعرض قوتها أمام الجميع، وكان ذلك سبباً جوهرياً من أسباب سقوطها السريع فى 30 يونيو 2013. ولم ينفعها حينها ما كانت تتيه به من عدد أو قدرة أو صلابة فى المواجهة، فقد بدت الجماعة عاجزة عن فعل أى شىء. لم تمتثل «الجماعة» لحكم العقل، وانجرت وراء وهْم القوة، رغم أن كل الحسابات المنطقية تقول إن أية مواجهة عنيفة سوف تنتهى بخسارة الإخوان. فالجماعة بكل كوادرها وقياداتها مجرد ذرة فى بحر المصريين، وأى جماعة أعجز ما تكون عن مواجهة دولة. لم يتأدب الإخوان بأدب القرآن الكريم الذى يؤكد أن من يغتر بقوته يفشل حتماً عند اختبارها. والله تعالى يقول: «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ».
استقبلت الجماعة السلطة بعد 25 يناير وهى جائعة لها، فأخذت تعبُّ وتلتهم كل ما يقابلها، من مقاعد مجلس شعب وشورى، ثم امتد بصرها إلى الرئاسة وفازت بها، ثم إلى الوزارة فحصدتها، ثم إلى المحافظات فسيطرت على العديد منها، ثم إلى باقى مناصب الدولة الأخرى، وأخذت تعبُّ من كأس السلطة دون اكتفاء، لتثبت أن النهم لا يكون فى العلم والمال فقط كما قال على بن أبى طالب، رضى الله عنه: «منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال»، بل يكون أيضاً فى السلطة.
انساقت الجماعة وراء أحلامها، دون وعى بأن فى ذلك هلاكها. وما أكثر ما يتردد على لسان رموزها حديث عن السجون التى دخلوها فى العهد البائد، والمحن التى مروا بها عبر تاريخهم، فى معرض تبريرهم لحقهم فى الاستمتاع والاستراحة على كراسى السلطة. ويبدو أن الجماعة نسيت موقف نبى الله موسى عندما حذّر بنى إسرائيل فى الآية القرآنية الكريمة: «قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ». فعندما يسبق الطمع حسابات العقل يسقط الإنسان فى شرك التهلكة، وحينما يفتقد العقل الحكمة فإنه يقود صاحبه إلى الضياع. وذلك هو ما حدث تماماً مع الإخوان عندما غيّبوا حسابات العقل بعد ثورة يناير، وجدّوا فى البحث عن ثمن دنيوى لتضحيات صدّعوا رؤوس المصريين زمنا طويلاً بأنها من أجل الدين!.