بقلم : د. محمود خليل
كتبت وكتب غيرى كثيرون عن المحنة التى وقعت فيها الطبقة الوسطى خلال السنوات الأخيرة، لكن الحكومة لا تزال تواصل سياساتها وإجراءاتها التى تصيب معيشة أبناء هذه الطبقة بسهم قاتل ينذر بزوالها من فوق الخريطة الاجتماعية، استمعت إلى سيدة فى مداخلة تليفونية عبر إحدى القنوات التليفزيونية تتحدث عن مأساتها المعيشية، بصوت يختلط فيه الألم بالهزيمة أخذت تحكى عن عجزها وزوجها عن رعاية أسرة مكونة من 5 أفراد، على مستوى الأكل والشرب والتعليم والرعاية الصحية، رغم أن الاثنين يعملان ولهما دخل ثابت أمسى أعجز ما يكون عن مواجهة رياح الغلاء العاصف.
الطبقة الوسطى تدفع وحدها ثمن الإصلاح الاقتصادى، هذه حقيقة لم تعد هناك مساحة للمراء فيها أو الجدل حولها، أغلب أفراد هذه الطبقة لا يستفيدون من أية خدمة مجانية تقدمها الدولة، فى التعليم تلحق أبناءها بالمدارس الخاصة، وفى الصحة تعتمد على التمويل الذاتى فى رعاية أفرادها، فتدفع ثمن الكشف وثمن العلاج، تدفع فواتيرها كاملة، كهرباء ومياه وغاز، لم تعد هذه الطبقة تأخذ شيئاً من الحكومة، بل على العكس الحكومة هى التى تمتصها حتى آخر قطرة، على سبيل المثال: سعر الكهرباء يرتفع فلا تجد الحكومة أمامها إلا الطبقة الوسطى، فالواضح أن الوزارة تحدد السعر فى ضوء التكلفة، دون أن تأخذ فى الاعتبار مسألة سرقة التيار وما يترتب عليها من إهدار، مواطن الطبقة الوسطى يدفع الكهرباء له ولغيره، وغيره هذا يمكن أن يشمل بعض الوزارات التى لا تدفع ثمن استهلاك الكهرباء!. الطبقة الوسطى تدفع ضرائبها كاملة، لأنها فى أغلب الأحيان تستقطع من المنبع، ولكى تعظم الحكومة حصيلتها من الضرائب لا تجد أمامها إلا هذه الطبقة لتزيد عليها، فى وقت لا تلتفت فيه إلى المتهربين!.
الفقراء فى مصر لا يعانون مثلما يعانى أفراد الطبقة الوسطى، الفقير لا يهتم بتعليم أبنائه، فيلقى بهم فى أقرب مدرسة حكومية رافعاً شعار: «اللى بيفلح بيفلح لنفسه»، إذا غلت عليهم فاتورة اجتهدوا فى «تصريف نفسهم» رافعين شعار «شوف مصلحتك يا مواطن»، ترتفع الأسعار فيرفع سعر الخدمة التى يقدمها إذا كان عاملاً أو حرفياً، إنه غير الموظف المربوط على مرتب يزيد وينقص بإرادة الحكومة، أما الأغنياء فحدث ولا حرج، إنهم يستفيدون أكثر من غيرهم من الواقع الاقتصادى الذى نعيشه فى ظل نشاط اقتصادى أساسه «الأرض والمعمار»، تشيع فيه المضاربات وأعمال السمسرة، مأساة الطبقة الوسطى لا ترتبط فقط بالغلاء وعجز دخولها عن الوفاء باحتياجاتها، بل تتعلق أيضاً بتراجع العديد من الأنشطة الاقتصادية التى كانت تمنحها فرصاً للعمل وزيادة الدخل، نتيجة كسل الحكومة، مثل النشاط السياحى.
من الخطورة بمكان أن تسمح دولة بانهيار كامل للطبقة الوسطى، بما يترتب على ذلك من تشوهات اجتماعية واقتصادية، من العقل أن تتحرك الحكومة لإنقاذ هذه الطبقة قبل أن تسقط ويسقط معها المجتمع فى بحر الظلمات.. انتبهوا أيها السادة!.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع