توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأردن يعبر المرحلة الحرجة؟

  مصر اليوم -

الأردن يعبر المرحلة الحرجة

بقلم - محمد علي فرحات

 ليس الأردن وحده في أزمة اقتصادية، فالأمر ينسحب على لبنان، وعلى دول أخرى في المشرق تعاني ما يتجاوز الاقتصاد إلى الخطر على كيانها السياسي والاجتماعي، مثل فلسطين وسورية والعراق.

ثمة إجماع على استناد الاقتصاد الأردني، في واحد من بنوده الرئيسية، إلى مساعدات عربية ودولية، وهو لم يصل بعد إلى وضع يمكّنه من الاستغناء عنها. هذه هي المشكلة في الأصل، وما يجعلها تتفاقم اعتياد الجمهور الأردني على استقرار اقتصادي أوصله إلى الشعور بالعيش في دولة رعاية، وهذا الأمر غير صحيح، وفي حال صحته فهو يفتقد ضمانات الديمومة.

الأردن واحد من الكيانات السياسية في المشرق العربي التي اعتاد القوميون الرومانسيون اعتبارها مرتبطة بأدوار، حتى إذا انتهى الدور ينتهي الكيان. هذه النظرة التي سادت لدى حركة القوميين العرب وحزب البعث منعت أو أضعفت تشكّلات الإدارة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل من هذه الكيانات. وحيث حكم البعثيون، أي في سورية والعراق، جرى احتقار الشعور الوطني واعتباره خيانة للأمة الواحدة الكبرى: «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» وهي جملة شعرية أهداها الشاعر سليمان العيسى لاحقاً لزعيم حركة 23 يوليو المصرية حين حقق الوحدة مع سورية، وأردفها بالقول «لبيك عبدالناصر».

ليس الأمر ببساطة هذه الرومانسية القاتلة، فالكيانات السياسية التي نشأت بعد انهيار السلطنة العثمانية ما لبثت أن أصبحت أوطاناً ترتبط بها شعوب وتنتمي إليها، وتريد العيش كما يعيش مواطنو دول أخرى في العالم. لقد صار حقيقياً وملموساً وواقعياً وجود مواطن أردني وآخر سوري وثالث عراقي ورابع لبناني، بل أيضاً مواطن فلسطيني ينتظر أن تتحقق مواطنته في دولة. ومن هنا فالأزمة الأردنية ليست ناتجة عن نهاية دور للكيان لأن الأدوار تتغير والأوطان تبقى. المواطن الأردني يعيش هذه الحقيقة، والمجموعات المتظاهرة اعتراضاً على مشاريع قوانين اقتصادية، إنما بعثت برسالة عتب إلى النظام أو إلى بعض مكوّناته، لكن الثقة باقية والخطاب الموجّه إلى الملك عبدالله الثاني كان موحّداً بين المتظاهرين ورجال الشرطة الذين يحرسونهم.

الثقة الإجماعية بالملك صار مطلوباً أن تنسحب على القياديين الرئيسيين فالوضع لا يحتمل اجتهادات غير محسوبة، والمساعدات الآتية من خارج الحدود هي أرقام وليست فقط كلاماً يؤكد الصداقة. صارت نظرة المحيط القريب والمحيط البعيد فاترة في خصوص العون الاقتصادي، وقد تغيرت الأولويات مع التعقيد السياسي والعسكري، وبالتالي الاقتصادي، الذي تعيشه أوروبا وأميركا ودول الشرق الأوسط. من هنا يفترض المراقبون الحسنو النية أن تعمد الحكومة الأردنية الجديدة إلى التأكيد على الثقة بين الحاكم والمحكوم، انطلاقاً من الشفافية والمصارحة، فما هو مطلوب من أركان الدولة مطلوب مثله من المواطنين: حسن التدبير والصبر على ندرة الموارد، والسعي الواقعي إلى تحسين الإنتاج في الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة ومناجم الفوسفات وغيره، والتعاون بين المقيمين والمغتربين لتخطي مرحلة الشحّ الاقتصادي التي يمر بها الأردن ويعاني منها مواطنوه. ولحسن الحظ فإن أوروبا والولايات المتحدة لا تزالان تدعمان في الأردن مشاريع إنمائية وإنسانية، مثل إنشاء المدارس وتحسين أدائها وإنشاء وتطوير مستشفيات وتمكين المرأة عبر مؤسسات تقدم لها آفاق العمل والحضور الاجتماعي. هذا الدعم يخفف عن خزينة الدولة أعباء يمكن تخصيصها لمجالات أخرى يحتاجها المجتمع.

وقبل أي أمر آخر يجب توضيح الصورة: ما هي معالم الأزمة الاقتصادية حقاً في الأردن؟ وما هي مشاريع القوانين التي تتحاور الحكومة والمجتمع حولها لإقرارها ومراقبة تطبيقها على أرض الواقع؟ رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز من أهل الوضوح والتفاعل مع الآخر، ويمكن بالشفافية والثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف، بمن فيهم الحرس القديم، أن يعبر الأردن دولة ومجتمعاً هذه المرحلة الحرجة.


نقلا عن الحياة اللندنية.

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

ليس الأردن وحده في أزمة اقتصادية، فالأمر ينسحب على لبنان، وعلى دول أخرى في المشرق تعاني ما يتجاوز الاقتصاد إلى الخطر على كيانها السياسي والاجتماعي، مثل فلسطين وسورية والعراق.

ثمة إجماع على استناد الاقتصاد الأردني، في واحد من بنوده الرئيسية، إلى مساعدات عربية ودولية، وهو لم يصل بعد إلى وضع يمكّنه من الاستغناء عنها. هذه هي المشكلة في الأصل، وما يجعلها تتفاقم اعتياد الجمهور الأردني على استقرار اقتصادي أوصله إلى الشعور بالعيش في دولة رعاية، وهذا الأمر غير صحيح، وفي حال صحته فهو يفتقد ضمانات الديمومة.

الأردن واحد من الكيانات السياسية في المشرق العربي التي اعتاد القوميون الرومانسيون اعتبارها مرتبطة بأدوار، حتى إذا انتهى الدور ينتهي الكيان. هذه النظرة التي سادت لدى حركة القوميين العرب وحزب البعث منعت أو أضعفت تشكّلات الإدارة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في كل من هذه الكيانات. وحيث حكم البعثيون، أي في سورية والعراق، جرى احتقار الشعور الوطني واعتباره خيانة للأمة الواحدة الكبرى: «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» وهي جملة شعرية أهداها الشاعر سليمان العيسى لاحقاً لزعيم حركة 23 يوليو المصرية حين حقق الوحدة مع سورية، وأردفها بالقول «لبيك عبدالناصر».

ليس الأمر ببساطة هذه الرومانسية القاتلة، فالكيانات السياسية التي نشأت بعد انهيار السلطنة العثمانية ما لبثت أن أصبحت أوطاناً ترتبط بها شعوب وتنتمي إليها، وتريد العيش كما يعيش مواطنو دول أخرى في العالم. لقد صار حقيقياً وملموساً وواقعياً وجود مواطن أردني وآخر سوري وثالث عراقي ورابع لبناني، بل أيضاً مواطن فلسطيني ينتظر أن تتحقق مواطنته في دولة. ومن هنا فالأزمة الأردنية ليست ناتجة عن نهاية دور للكيان لأن الأدوار تتغير والأوطان تبقى. المواطن الأردني يعيش هذه الحقيقة، والمجموعات المتظاهرة اعتراضاً على مشاريع قوانين اقتصادية، إنما بعثت برسالة عتب إلى النظام أو إلى بعض مكوّناته، لكن الثقة باقية والخطاب الموجّه إلى الملك عبدالله الثاني كان موحّداً بين المتظاهرين ورجال الشرطة الذين يحرسونهم.

الثقة الإجماعية بالملك صار مطلوباً أن تنسحب على القياديين الرئيسيين فالوضع لا يحتمل اجتهادات غير محسوبة، والمساعدات الآتية من خارج الحدود هي أرقام وليست فقط كلاماً يؤكد الصداقة. صارت نظرة المحيط القريب والمحيط البعيد فاترة في خصوص العون الاقتصادي، وقد تغيرت الأولويات مع التعقيد السياسي والعسكري، وبالتالي الاقتصادي، الذي تعيشه أوروبا وأميركا ودول الشرق الأوسط. من هنا يفترض المراقبون الحسنو النية أن تعمد الحكومة الأردنية الجديدة إلى التأكيد على الثقة بين الحاكم والمحكوم، انطلاقاً من الشفافية والمصارحة، فما هو مطلوب من أركان الدولة مطلوب مثله من المواطنين: حسن التدبير والصبر على ندرة الموارد، والسعي الواقعي إلى تحسين الإنتاج في الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة ومناجم الفوسفات وغيره، والتعاون بين المقيمين والمغتربين لتخطي مرحلة الشحّ الاقتصادي التي يمر بها الأردن ويعاني منها مواطنوه. ولحسن الحظ فإن أوروبا والولايات المتحدة لا تزالان تدعمان في الأردن مشاريع إنمائية وإنسانية، مثل إنشاء المدارس وتحسين أدائها وإنشاء وتطوير مستشفيات وتمكين المرأة عبر مؤسسات تقدم لها آفاق العمل والحضور الاجتماعي. هذا الدعم يخفف عن خزينة الدولة أعباء يمكن تخصيصها لمجالات أخرى يحتاجها المجتمع.

وقبل أي أمر آخر يجب توضيح الصورة: ما هي معالم الأزمة الاقتصادية حقاً في الأردن؟ وما هي مشاريع القوانين التي تتحاور الحكومة والمجتمع حولها لإقرارها ومراقبة تطبيقها على أرض الواقع؟ رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز من أهل الوضوح والتفاعل مع الآخر، ويمكن بالشفافية والثقة المتبادلة بين مختلف الأطراف، بمن فيهم الحرس القديم، أن يعبر الأردن دولة ومجتمعاً هذه المرحلة الحرجة.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأردن يعبر المرحلة الحرجة الأردن يعبر المرحلة الحرجة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2025 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon