توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عاصمة الروح

  مصر اليوم -

عاصمة الروح

بقلم-يوسف القعيد

السبب الذى دفعنى للتفكير فى رواية: العاصمة القديمة. هو الكلام الذى نقرأه يومياً عن نقل العاصمة من القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة. صاحبها الروائى اليابانى المتميز ياسونارى كواباتا، المولود 14/7/1899، والمتوفى انتحاراً 16/4/1972، عن 73 عاماً. وصدرت روايته سنة 1962. وترجمها للعربية: صلاح نيازي.

عندما زرت اليابان قبل ربع قرن، حرصت على زيارة المدينة التى عاش فيها، بل والفندق الذى انتحر فيه، بعد عجزه عن الاستمرار فى الكتابة. بعد حصوله على جائزة نوبل. وكان يوم الزيارة من أيام العمر التى لا يمكن نسيانها. من الذكريات التى تظل حية ونابضة مدى العمر. ومن يعد إلى كتابى: مفاكهة الخلان فى رحلة اليابان، وسيجد أن لكواباتا ولعاصمته القديمة مكاناً متميزاً.

أعود للكلام الذى نسمعه كل صباح ومساء عن العاصمة الإدارية الجديدة. والمواعيد التى تعلن فى أوقات متقاربة لانتقال الوزارات والمؤسسات الحكومية إليها. ومعظم ما يقال يركز على مستقبل العاصمة الجديدة. ومن النادر أن نجد إجابات على تساؤلات مشروعة عن مصير القاهرة التى يمكن أن توصف مستقبلاً بأنها العاصمة القديمة.

ومن باب التذكير فقط أكتب أن القائد الفاطمى جوهر الصقلي، أسس القاهرة يوم 17 شعبان عام 358 هجرى الموافق 6 يوليو عام 869 ميلادى. وهذه الأيام تمر علينا 1049 عاماً على تأسيس القاهرة. أى أنها تُعد من أقدم مدن العالم فى زماننا. وبهذه المناسبة أعلن محافظ القاهرة المهندس عاطف عبد الحميد أنه يتم الاستعداد لإصدار كتاب تاريخى يتناول تاريخ المدينة وتطورات حياتها فى كل العصور، منذ تأسيسها وحتى لحظة صدور الكتاب.

مناسبتان تتعانقان معاً، تدفعانى للتساؤل: ما هو مصير مقار الوزارات والمصالح الحكومية والهيئات المختلفة بعد نقل العاصمة؟ وأيضاً السكان الذين قد يتركون مساكنهم من أجل الانتقال إلى العاصمة الجديدة رغم أنى أعرف أن مساكنهم ملكية شخصية لا يمكن الكلام عنها، فكل شخص حر فيما يملكه فإن السؤال الكبير: ماذا سنفعل بكل هذا الفراغ الذى يمكن أن يخلفه نقل العاصمة لعاصمة أخري؟.

يحدثنا التاريخ ويحكى لنا أن المصريين غيروا اسم بلادهم أكثر من مرة. والعملات التى يتعاملون بها تبدلت وتحولت. ومسميات النواحى والضواحى اختلفت من زمن لآخر. فالثبات الأبدى من رابع المستحيلات. رغم أن علماء تاريخ الحضارات الكبرى يقولون عن مصر إنها هى التى اخترعت الأبدية. وأنك يمكن أن تتركها سنوات وتعود إليها فتجد أن ثوابتها كما هي. وأن كل ما هو قابل للتغيير الذى نسميه المتغيرات يمكن أن يحدث. لكنهم دائماً يفرقون بين الثوابت والمتغيرات. لا بد من دور متميز، ورسالة محددة للقاهرة وللعاصمة الجديدة. التى أعطى نفسى الحق فى أن أتجرأ وأقترح أن نسمى العاصمة الإدارية الجديدة: المحروسة. ويمكن أن نضيف لكلمة المحروسة السنة التى ستصبح فيها المحروسة عاصمة للبلاد. ولكلمة المحروسة مترادفات كثيرة. فلقد صلحت فى أزمنة كثيرة لكى تكون مسمى لمصر. ومؤرخو مصر الإسلامية لا يذكرون كلمة مصر إلا مقترنة بكلمة المحروسة.

عموماً هذا مجرد اقتراح بسيط. لكن الجوهر الذى لا بد أن نفكر فيه. وأن نخلو إلى أنفسنا من أجل أن نعتبره موضوعاً مصيرياً. هو مصير القاهرة بعد نقل المصالح والهيئات والوزارات منها إلى العاصمة الجديدة. هذه مهمة كل مصرى عاصر - ويعاصر وسيعاصر عملية الانتقال.

أعرف أن انتقال العواصم أو إنشاء عاصمة جديدة مسألة لا تتم بين يوم وليلة. إنها تستغرق سنوات طويلة. ربما عشرات السنوات. لن أقول قروناً. لكن فى تاريخ علم العمران ونشأته وازدهاره واستمراره كما علمنا المعلم الكبير عبد الرحمن بن خلدون، فى عمله الكبير: المقدمة. الذى كتبه فى مصر. أقول إن العمران يستغرق سنوات ليست قليلة. وله أبعاد إنسانية واقتصادية. وتبدلات لنشاط الإنسان لا نكاد نلحظها. لأنها لا تتم بين يوم وليلة. وتجرى إن جرت بطريقة تجعل متابعتها ورصدها مسألة صعبة.

المكان فى حد ذاته قد لا يعنى الكثير بالنسبة للإنسان. لكن ألفة الحياة فى مكان بعينه سنوات طويلة. وتعاقب الأجيال على هذا المكان أو ذاك. ووقوع حوادث التاريخ الكبرى فيه يقيم تلك العلاقة الفريدة بين الزمان والمكان. ويُعَشِّقها لدرجة أنه يصبح من رابع المستحيلات فصل الزمان عن المكان. وفصل المكان عن الزمان. لدرجة أن بعض علماء الأماكن والأزمنة توصلوا إلى كلمة: الزامكان. التى تجعل من الأمرين أمراً واحداً. لأن كل مكان له تاريخ. وكل تاريخ لا بد من مكان تجرى فيه أحداثه.

ما يعنينى هو طبقات التاريخ التى جرت فى القاهرة. فوسط القاهرة نقول عنه: القاهرة الأوروبية. جزء منها إيطالي. وجزء فرنسي. وجزء إنجليزي. لكنه تمصر وأصبح جزءاً من سياق مصري. ثم إنك إن أوغلت سيراً بعد المنطقة التى نسميها وسط القاهرة. ستصل دون أن تدرى إلى القاهرة الإسلامية.

يقولون قاهرة الفاطميين. ويقولون قاهرة المماليك. ويذكرون أسماء من حكموا هذه البلاد سواء من أبنائها أو من الغرباء، الذين كانت أعينهم موزعة بين الحاضر الذى عاشوه. والمستقبل الذى ينتظرهم. بحثاً عن معجزة الخلود والبقاء حتى بعد أن يرحلوا عن دنيانا.

وهكذا نتنقل بين قلعة صلاح الدين الأيوبي، ونسير باتجاه مسجد الحاكم بأمر الله، فى آخر شارع المعز لدين الله الفاطمي، ونتوقف أمامه لأنه يصل عالمين ببعضهما. عالم بعالم. إذن فنحن أمام متحف يسكنه البشر. وربما كان تخفيف أعداد من يسكنون فيها مطلوباً. بدلاً من ذلك الاكتظاظ السكانى الذى يوشك فى بعض الأحيان أن يؤثر على مصير ومسير القاهرة.

الإبقاء على القاهرة واعتبارها عاصمة الروح. ما دفعنى لهذه الكتابة والإلحاح عليها والإصرار على الاستمرار فيها. فالإنسان لا يستطيع أن يستبدل ماضيه بآخر. ولا يمكنه أن يبدأ من الصفر. لأن الماضى يطارد الإنسان طالما كان على قيد الحياة. ومن ليس له ماضٍ فإنه يبحث عن هذا الماضي. وفى قريتنا كانوا يقولون: من ليس له ماضٍ عليه أن يشترى ماضياً، لأنه سيصبح ماضياً لأبنائه وأحفاده من بعده. حاضرك قد يصبح ماضيك غداً.

نقلا عن الأهرام القاهرية 
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

GMT 01:13 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

التوافق ينتصر للسودان .. والمعركة مستمرة

GMT 01:12 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

مصر الفيدرالية

GMT 01:06 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

فاتورة الحرب.. مدفوعة مقدمًا!

GMT 05:30 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

مشاكل ترامب أمام القضاء الأميركي

GMT 05:29 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

من مفكرة الأسبوع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاصمة الروح عاصمة الروح



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon