بقلم: حمد الماجد
تجري على ثرى السودان معركة شد وجذب بين المجلس العسكري والقوى المدنية، وصار كل فريق يخرِج ما لديه في جعبته من سلاح مؤثر، ثار نقع المعركة بين الفريقين وحمى وطيسها حتى وصلت إلى فضٍ للاعتصام المدني، تلاه إخراج القوى المدنية لسلاح «ناعم» لا تنفع معه اليد العسكرية، إنه العصيان المدني، فأمست المحال مغلقة وأغلقت معها الأبواب لوأد أي محاولة لإرضاخ العصيان المدني، فالعصيان المدني مجرد إرادة شخصية في إغلاق محل وليس اعتصاماً جماهيرياً حاشداً أمام مقر المجلس العسكري. وأمام منظر الدبابات كان هناك فعل آخر لا يقل عنه تأثيراً، وسائل التواصل العالمي التي تستخدم الهاشتاقات والسنابات و«يوتيوب» ورسائل «فيسبوك»، وقد حاول المجلس العسكري إخراج غرمائه المدنيين من الباب فرجعوا عليه من النوافذ متسلقين على سلالم التواصل الاجتماعي المارد الذي خرج عن سيطرة الأقوياء.
حكم العسكر في مراحل الاضطراب والفترات الانتقالية مثل مضخة قلب صناعي يضطر إليها الطبيب كإجراء «مؤقت» حتى يجهّز القلب الطبيعي «المدنيين» لإكمال مهمته الطبيعية، لكن الحال في بعض دول العالم الثالث قد ينبئ بأن مضخة القلب الصناعي المؤقتة هي التي تستمر، والقلب الطبيعي الدائم هو الذي يتحول إلى مؤقت.
باستثناء الدول العربية المستقرة ذات نظام الحكم الملكي، فإن بقية دول العالم العربي تختلف عن بقية دول العالم، بأنها أمام خيارين أحلاهما مر، إما حكم عسكري قوي يمنح استقراراً وربما اقتصاداً نشطاً، لكنه يحقق هذه الغاية بالقوة والتقليل من الحريات، وإما حكم مدني ضعيف متهالك يمنح حريات وديمقراطية ومشاركة في القرار، لكنه يفشل في فرض حكم قوي يمنح أمناً واستقراراً واقتصاداً وتنمية، ومن لا يمنح أمناً واستقراراً لا يعطي اقتصاداً مزدهراً، وهذا ما لا نجده في الأمم الأخرى التي تحولت من حكم الاستبداد الشمولي المطلق إلى الحكم الشوري الديمقراطي، مثل دول أوروبا الشرقية وبعض الدول الأفريقية والأميركية الجنوبية.
والسودان ليس استثناءً من هذه الأعراض السياسية، فإنْ حَكَمَه العسكرُ فربما عانى الشعب من الاستبداد الديكتاتورية وانخفاض سقف الحريات، وإن حكمته الأحزاب ارتفع سقف الديمقراطية والحريات وانخفض سقف التنمية والنهضة. كل أحزاب الدنيا السياسية بينها صراعات، لكن حصة الحكم تظل كبيرة والمناكفات قليلة، أما في بعض دولنا فالعكس صحيح، وهذا ما زاد شهية العسكر في الحكم.
لقد جرب السودانيون في الماضي حكم العسكر العلمانيين فبطشوا بالشعب وفسدوا وأفسدوا، وجرب الشعب السوداني العسكر الإسلاميين فنكلوا بالشعب ففسدوا وأفسدوا... الشعارات مختلفة والمخرجات واحدة، فهل تكون مخرجات ما يدور الآن بين المجلس الانتقالي والمؤسسات المدنية مختلفة لترسو بالسودان ذي المقدرات الاقتصادية الكبيرة إلى بر الحريات والأمان السياسي والتنموي، أم - لا سمح الله - ينزلق السودان إلى مستنقع الفوضى، أم يتحول في أحسن أحواله إلى دولة فاشلة كما هي حال بعض دول الثورات العربية؟ يا رب لطفك بالسودان.