بقلم : سوزان حرفي
«لا تحضر جنازتي».. رسالة بعث بها السيناتور «جون ماكين» لساكن البيت الأبيض، الذي رأى أنه يهدر القيم الأمريكية ولا يحترمها، والحقيقة أن «دونالد ترامب» لا علاقة له بالقيم من الأساس، فقد حول أكبر ديمقراطية عرفها العالم لـ«دولة الرئيس»، لا مؤسسات ولا قواعد لا عرف ولا تقاليد، وتبع ذلك بعرض خدماتها لمن يدفع أكثر، وهو العار ذاته.
في نفس العار يقع كل سلوكه، ومن بينها الانسحاب من النووي الإيراني، حيث يحطم ثوابت المجتمع الدولي، فلا قيمة بعد ذلك لمعاهدات ولا لشركاء ولا لقانون أو منظمات، ليبقى حكم الهوى، وما يفرضه من تحركات مفتوحة على كل الاحتمالات.
يلغي اتفاقا أبرمه سلفه منذ ثلاث سنوات فقط، ويرسل وزير خارجيته لكوريا الشمالية يرتب جدول القمة المرتقبة بين الزعيمين، يفتح الباب لمواجهة مع طهران، ويتجه لحوار مع بيونجيانج، رغم أن كليهما يهددان السلم العالمي، وكلاهما اتخذ من أمريكا عدوا، وكليهما تحداها بمشروع نووي، واحدة وقعت الاتفاق؛ والثانية أكملت مسيرتها حتى النهاية.
فعاقب الأولى ويستعد للقاء زعيم الثانية، يهدد حاكم إيران، ويصافح «كيم جونج أون» قائد النظام المصنف ضمن أسوء ديكتاتوريات العالم، قاتل أكبر المسؤولين من أفراد عائلته، الرئيس الذي يحكم بالنار، ليتحول فجأة إلى «كيم» الكريم المنفتح الجدير بالاحترام للغاية!
لم يدفع كيم ولا جيرانه سنتا واحدا لحل مشكلات الاقتصاد الأمريكي، لم يسد رمق غريمه للمال، لم يقدم له فروض الولاء والطاعة، بل استكمل ما بدأه أبوه وجده من قبلهما، أعلن تجميد بلاده للتجارب النووية والصاروخية، حيث لم تعد بحاجة لهذا ولا ذاك لأنها استكملت بالفعل تسليح نفسها.
قبل 6 أشهر هدد ترامب أمام العالم بتدمير كوريا الشمالية، واليوم لا تشكل خطرا ولا تهدد سلاما، ويبدأ الهدوء ينساب للشرق الأدنى ورائحة الحرائق تستعر بالمنطقة العربية أو «الشرق الأوسط» إنها سياسة تهدئة الأطراف وإشعال القلب.
قرار إحراق العالم القديم تجنيه واشنطن أموالا مقابل التسليح والحماية، وتعانيه روسيا ألما مع ملامسة النار ليدها وقدمها الموجودة بالمنطقة، وأوروبا التي أخذت من أمريكا ولم تمنحها شيئا سيقلق راحتها دخان الحرائق، إنها حرب استنزاف الجميع، وإشعال الكل ببترول العرب.
حرب شعارها تدفع أو ترحل، فسيد العالم لم يشبع بعد، لم يكتف بمليارات حصدها وثروات جناها من حكام الخليج، فلا يزال لديهم ما يدفعون مقابل حماية عروشهم مالا ودما، فجنود أمريكا لن يكرروا خطأ دخولهم مستنقع العراق، والبديل هو من تبقى من الجيوش العربية، وعليها الاستعداد لتقف سدا منيعا ضد وصول إيران للبحر المتوسط، وضد بقائها جارة لإسرائيل في سوريا.
إنها نكبة جديدة تضاف لسقوط دولها العتيقة، وتفكك واستنزاف أنظمة الممانعة فيها، نكبة تأتي على يد حكام يهرولون باتجاه الصداقة والشراكة الاستراتيجية مع العدو الحقيقي، نكبة تتزامن والذكرى السبعين لاغتصاب فلسطين وإعلان الكيان الصهيوني.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع