قد تكون إدارة الأزمات علماً أكاديمياً حديثاً خصوصاً في منطقتنا العربية، لكنه فن من فنون العمل ضد الضائقات الظرفية التي يمر بها الإنسان منذ بدء حياته على الأرض. والأزمة ممكن فهمها على أنها تغير في مسار ثابت، وهذا التغير قد يتسبب بخلل في الاتزان، ومدى تأثيرها يتوقف على الزمن ومدى القدرة على التعامل معها من خلال إجراءات احترازية تسبقها أو وقتية خلال حدوثها.
والأزمات متنوعة ومختلفة، قد تكون على مستوى الفرد، مثل كثير من الظروف السيئة التي تصل إلى مستوى بالغ من التأثير السلبي، وقد تكون على مستوى المجتمع، ومنها ما يأخذ زمناً طويلاً في التشكل ومثله في الانحسار، من ذلك القيم الدنيا التي تتحول إلى عرف مجتمعي يؤثر على حياة الناس سلباً، ويصبح المجتمع بعدها مأزوماً مثل «الصحوة» التي غشيت المجتمع السعودي بعد الثورة الخمينية عام 1979، أو مؤقتة كأزمة احتلال الحرم من قبل متطرفين بعد الثورة المذكورة بأشهر.
أيضاً قد تكون الأزمة شاملة عامة على مستوى الدولة، كالأزمات المناخية (موجات الغبار والصقيع)، أو بيئية كالأعاصير والفيضانات، أو تكون أزمة اقتصادية كالانخفاض الحاد في أسعار النفط، أو انهيار سوق الأوراق المالية، كالذي حصل في عام 1929 في الولايات المتحدة الأميركية، والكساد الكبير الذي جاء على أثر ذلك وعمّ العالم، ومثلها أزمة 2008 التي عُرفت بأزمة الرهن العقاري. أيضاً، الأزمات السياسية كالحروب، وسقوط الأنظمة وما يترتب عليها من انهيارات في هيكل الدولة، وربما لوحظت أكثر ما يمكن في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وفي سقوط بعض الأنظمة العربية في عام 2011.
الأزمات تلاحق الإنسان لأنها سنّة كونية لا مناص من حصولها، لكن قدرته على إداراتها قد تساعد بشكل مذهل في تحجيمها وتقليص الأضرار الناتجة عنها، وهنا يكمن الفن، أو المعضلة.
ونظراً إلى هذه الأهمية، تُعقد لقاءات ومنتديات حول العالم لبحث الأزمات وسبل التعاطي معها، كما فعلت جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية خلال الأسبوع الماضي، بعقد ملتقى دولي في جنيف عن العلاقات الدولية في الأزمات. خلال الملتقى، تم عرض أوراق علمية متنوعة أكملت إحداها الأخرى، حول أزمات عصفت بالعالم، وشرحت كيفية تعامل الدول والمنظمات الدولية معها.
ما يمكن أن يستنتجه الحاضرون لهذا اللقاء أن المنطقة العربية تكاد تخلو من مراكز متخصصة للأزمات أو الطوارئ، وهذه معضلة بحد ذاتها ونقص يشوب العمل المؤسسي داخل الدول، عكس ما نعرفه في الدول المتقدمة التي تولِي هذا الجانب أهمية كبيرة على مستويات مختلفة. تكمن أهمية وجود مراكز مهيأة للأزمات في أنها تستبق الأزمة بوجود قياسات رصد تعطي تنبؤات قبل حصولها، وفي هذا اختصار لوقت وتكلفة وجهد تعديل المسار وعودته لحالته الثابتة.
الجهة الوحيدة التي قدّمها الباحثون كمثال يقوم بعمل مركز أزمات هو مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية. وهو المركز الذي تم افتتاحه بعد حرب اليمن التي بدأت في مارس (آذار) 2015. ولكنه اليوم توسع في أعماله من بنغلاديش شرقاً حتى نيكارغوا والهندوراس غرباً.
المركز بدايةً عالج تداعيات الحرب في اليمن، من حيث إغاثة المدنيين وتوفير سبل الرعاية الممكنة؛ الغذائية والصحية والبيئية، ثم تعامل مع الأمراض الوبائية التي نتجت عن الحرب، وربما يحتاج الحديث إلى مزيد من التفصيل حول خطة عمله تستحق أفراده بمقال خاص.
المركز يقدم يومياً ما يمكنه لتخفيف وطأة الأزمة في اليمن وخارجها؛ يقيم الملاجئ لاستقبال النازحين والهاربين من مناطق الصراع، يقدم لهم الخدمات والرعاية، الحقيقة أنه يقدم لهم فرصة النجاة من براثن الأزمة التي أحاطت بهم. والمرء يفكر حقاً، مع 3 أعوام من حرب فرضتها الميليشيات المدعومة من إيران ما الذي كان سيحدث لو لم يكن المركز موجوداً؟ النتيجة مخيفة، من المجاعة حتى تفشي الأوبئة والأمراض بدرجة يصعب معها معالجة الوضع حتى وإن وضعت الحرب أوزارها. ربما لذلك أطلق التحالف اسم «إعادة الأمل» على عملية إنعاش اليمن حتى في أثناء الحرب، لأن المناطق التي يستعيدها التحالف تستدعي التدخل لإنعاشها فوراً وإمدادها بسبل الحياة الطبيعية.
ورغم أن المنظمات الدولية المعنية بالإغاثة الإنسانية تشتكي دائماً من قلة الموارد، فإنها لا تفعل في اليمن، لأنها تتوفر مع تدفق الإمدادات من قبل مركز الملك سلمان، ولهذا أيضاً، يحضر الدور المهم للمركز والذي ربما يغيب عن بال الكثيرين، وهو أنه صوت إعلامي غير مباشر عن الوضع السياسي والعسكري على الأرض. كل كيلومتر يتحرر من الميليشيا تدخل إليه قوافل المركز التي ربطت عملها بالمنظمات الدولية كاليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي، فيكون حال تلك المناطق مكشوفاً وظاهراً أمام العاملين في هذه المنظمات، وكيف تركت الميليشيا أهل المنطقة في وضع متردٍّ صحياً وأمنياً، فتتشكل قناعتهم حول الدور الحقيقي لكلا طرفي الحرب وتأثيره على الإنسان اليمني.
مع كل هذه الإيجابيات، فإن وجود مركز أزمات عام بات أمراً ضرورياً سواء في السعودية أو غيرها من دول المنطقة، كما ذكرتُ بهدف التقصي والرصد. هذه وسيلة متقدمة تستبق حصول الأزمة أو كفّها عن الحدوث أو التداوي من علًتها.
نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع