في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1981، شهدت مدينة نصر بالقاهرة عرضاً عسكرياً بمناسبة الاحتفال بمرور ثمانية أعوام على حرب أكتوبر ضد إسرائيل.
كان الرئيس المصري آنذاك محمد أنور السادات متقدماً الحضور، داعياً ضيوفاً من داخل مصر وخارجها لحضور العرض العسكري.
كانت المناسبة وطنية عظيمة في نظر المصريين والعالم العربي، ولكن تم إفشال الاحتفال بعد ترجل ثلاثة ضباط مسلحين من القوات المسلحة من سياراتهم الاستعراضية في أثناء مرورها أمام المنصة الرئيسية مسرعين صوب السادات للتأكد من قتله بعد أن اقتنصه أحدهم من سيارته.
المشهد تفاصيله كثيرة لكن عمره الزمني قصير، فكل الأحداث من قتل وإطلاق للرصاص مرت في دقائق قليلة.
كان هدف الضباط الإسلامويين هو القضاء على الرئيس السادات بعد تكفيره بحجة توقيع معاهدة كامب ديفيد التي أعادت الأرض المصرية المسلوبة من إسرائيل إلى مصر.
من نتائج الحادثة موت السادات الذي تلقى رصاصات في مناطق مختلفة من جسده، واثنين من ضيوفه الأجانب وبعض الموظفين الخاصين. وممن نجا من الحادثة نائب الرئيس محمد حسني مبارك الذي كان يجلس عن يمين السادات، وكذلك وزير الدفاع عبد الحليم أبو غزالة الذي كان يجلس عن يسار الرئيس.
كان سكرتير الرئيس قد حاول حجب الرصاص عن السادات برفع كرسي تجاه مطلقي الرصاص، وصرخ أحد ضباط الحرس الجمهوري مطالباً الرئيس بالبقاء على الأرض بعد أن لاحظ أن السادات وقف بعد تلقيه الرصاصة الأولى. ومع تعرض المعتدين للإصابة، تم القبض على ثلاثة ثم الرابع لاحقاً وحوكموا وأُعدموا رمياً بالرصاص.
حادثة المنصة في القاهرة واضحة الأهداف معروفة الدوافع، شوهد الجميع وهم يحاولون أن يحموا الرئيس ويحتموا بتجنب وابل الرصاص.
نستذكر حادثة منصة القاهرة بعد أيام من حصول هجوم مسلح مشابه في مدينة الأحواز جنوب غربي إيران خلال عرض عسكري بمناسبة إحياء ذكرى الحرب العراقية - الإيرانية. لم يكن الرئيس الإيراني حسن روحاني حاضراً بنفسه، بل كان حضوراً عبر بث تلفزيوني.
ولكن ما حصل في تفاصيل الواقعة يثير الكثير من التساؤلات بالمقارنة مع الحادثة المصرية.
في إيران، الدولة ظلت أكثر من يوم تجهل هوية المهاجمين، لأن أعداءها في الداخل أكثر من الخارج، ولم تكن تعلم أي سهام أصابتها. ثم عزمت على استثمار الحادثة سياسياً، وبالفعل وجّهت أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأميركية، القوة العظمى، بأنها خلف الحادثة، فلا يظهر الجيش والحرس الثوري اللذان يدّعيان الغلبة في العراق وسوريا ولبنان وصنعاء ويهددان تل أبيب، بمظهر الحائط الرخو سهل الاختراق، في مناسبة يُفترض أن يكون موقعها غايةً في التحصين والرصد والمراقبة.
المقطع الذي تم تسريبه عن الحادثة يُظهر فرار من كان في المنصة فور سماع صوت إطلاق النار، ولو كان روحاني موجوداً لفّروا كذلك وتركوه لمصيره.
الجيش الذي كان يتبختر كالطاؤوس انكشفت حقيقة ضعفه خلال الاستعراض، واتخذ موقفاً دفاعياً محضاً.
الحادثة مثيرة ليس لأن تنظيم «داعش» وحركة النضال العربي الأحوازي، كل منهما تبنّى الحادثة، بل لأن المهاجمين قد يكونون أحوازاً أو كرداً أو بلوشاً أو سوريين أو عراقيين أو لبنانيين، هذه المرة أو في مرات قادمة. فإيران استعْدت من الشعوب والأعراق ما يكفيها أن تنام بعين واحدة. أن يحصل اختراق أمني لعرض عسكري بهذه الأهمية لا شك أنه إشارة إلى ضعف داخل المؤسسة العسكرية العتيدة، وهو نوع من الضعف الذي تعوّل عليه الولايات المتحدة الأميركية نتيجة ممارسة الضغوط الاقتصادية.
أقل ما سيقال إنه يفترض بإيران التي تبعث حرسها الثوري إلى بلدان أخرى لإشعال الحروب فيها أن تضمن متانته في الداخل، خصوصاً وهو الذي يعمل مباشرة تحت إمرة المرشد الأعلى نفسه.
من السهل على الحكومة الإيرانية أن تختار اتهام واشنطن بأنها وراء تدريب المهاجمين وتسليحهم، لأن ذلك سيكون جزءاً من حرب معلنة بين البلدين، لكن الولايات المتحدة كانت أكثر وضوحاً وسبقت الإيرانيين بتوقع خلخلة داخلية نتيجة التأزم الاقتصادي، وبالتالي فإنْ كان هناك متهم حقيقي خلف ما جرى فهي حكومة الولي الفقيه التي مارست ما يكفي من ضغوط وتهميش على الأقليات ومنها الأحوازيون لتستفزّهم لأعمالٍ من هذا النوع يرون أنها مشروعة، كونها ضد عناصر عسكرية.