بقلم: حسين شبكشي
كان لافتاً جداً تصريح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح، الأخير الذي قال فيه إن جميع دول منظمة (أوبك) وحلفائها باستثناء روسيا التي لم تحسم موقفها حتى الآن، موافقة على تمديد اتفاقية الإنتاج حتى نهاية العام الحالي. و(أبو عبد العزيز) دقيق في كلامه، وتصريحاته محسوبة، وعليه فمطلوب التمعن بعمق فيما قاله.
المشهد النفطي بصورة عامة غير مستقر. فالعقوبات غير المسبوقة على إيران قلّصت بشكل هائل من نفطها وحصتها في السوق العالمية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ليبيا، فالاقتتال الداخلي بين الفرقاء الليبيين كان له أثر مباشر على قدرات ليبيا الإنتاجية وبالتالي التصديرية. وهناك القصور المستمر في قدرات العراق الإنتاجية وعدم قدرته حتى الآن على الوصول إلى الوضع المثالي للإنتاج ومن ثم التصدير. وطبعاً لا يمكن إغفال الوضع المضطرب الحاصل في فنزويلا، والذي أثر على ثقة المستهلكين في التعاقدات المستقبلية معها.
اضطراب الأسعار وكسرها لحاجز السبعين دولاراً تصاعداً، ومن بعد ذلك نزولها إلى مستويات الستين دولاراً وضّحه بعد ذلك تصريح لمسؤول روسي عندما قال إن روسيا ترى مصلحتها بوجود النفط عند حاجز الستين دولاراً، بينما «أوبك» تريد سعراً حول السبعين دولاراً للبرميل، وهذا هو سبب وجود الوزير السعودي في العاصمة الروسية، لأن روسيا بالإضافة إلى ذلك كله تريد حجماً أكبر في صحتها الإنتاجية، لقناعتها بأنها وحدها قادرة على تعويض الصين عن حصة إيران الإنتاجية التي لن تتمكن من توريدها بسبب العقوبات المفروضة على الأخيرة.
هناك أصوات مؤثرة مقرّبة من الدائرة المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمحسوبة على صناعة النفط تحذّره من مد الاتفاق مع «أوبك»، تماماً كما قال إيغور سيتشين رئيس شركة «روسنفت» البترولية المعروفة، الذي صرّح بأن تمديد الاتفاقية يشكّل «خطراً استراتيجياً على موسكو» لأنها من الممكن أن «تسمح» للولايات المتحدة بأن تستحوذ على حصة روسيا من السوق.
خالد الفالح بعقلانية ورزانة لم ينفعل إزاء هذا الضغط الإعلامي ولكنه أبقى الباب مفتوحاً لإتمام الاتفاق مع الروس في لقاءات مستقبلية أهمها الذي سيعقد قريباً على هامش اجتماع قمة مجموعة العشرين في اليابان هذا الشهر.
التحدي الأهم في السياسة النفطية السعودية هو توازن مصالحها السياسية مع الولايات المتحدة ومصالحها النفطية مع روسيا، وهي رحلة بحاجة إلى مهارة لأن كلا الطرفين يحاول تسجيل نقاط مع المنتج النفطي الأكبر لمصالح سياسية أكبر. يبقى المشهد النفطي مكوناً من تفاصيل دقيقة منها ما يظهر للعامة ومنها ما يتشكل خلف الكواليس، وفي كل الأحوال لا تزال السلعة حتى الآن مؤثرة، وإن كان بدرجات أقل عما كانت عليه في السابق.
الشهر الحالي مهم وحاسم «لتقرير» المشهد النفطي حتى نهاية العام أو حتى ما بعده. أوراق اللعبة تتغير وقواعدها تتبدل. الصين المستهلك الأكبر «تتّحد» مع المنتج الأشرس (روسيا) وهذا في حد ذاته مدعاة لقياس شكل الصورة الجديدة للمشهد النفطي المتغير.