بقلم - إقبال بركة
تواجه ثورة يوليو هجوماً عاتياً ممن كان قائدها يطلق عليهم لقب «مجتمع الخمسة فى المائة». وهذا الأمر قد يكون مقبولا ممن جردتهم الثورة من امتيازات كانوا يستأثرون بها دون بقية الشعب ونزعت من أفواههم الملعقة الذهب التى ولدوا بها. أما أن يهاجمها بعض أبناء الطبقة الكادحة الذى وضعهم جمال عبدالناصر على رأس اهتماماته، وأصدر قوانين عديدة يعتبرها البعض من مثالبه، لا لشىء إلا ليسرع بقطار التسوية بين أبناء الشعب الواحد، ويعوض الأبناء عن سنوات حرمان طويلة تحملوها فى صبر، كأنهم ينتظرون مجيئه. إن محاكمة جمال وثورته وزملائه بمقاييس العصر فيه ظلم فادح، ليس لهم فقط وإنما لمصر كلها وتاريخها الممتد. إننا نتغاضى اليوم عن وحشية تعامل الوالى التركى محمد على فى التخلص من المماليك بقتلهم غدرا واحتيالا فى مذبحة مروعة.
لقد دعاهم إلى الاحتفال بميلاد ابنه، وهى مناسبة سارة لا يجوز الاعتذار عنها، وجردهم من أسلحتهم، ثم احتجزهم فى قاعة مغلقة وسلط عليهم حرسه يذبحوهم بلا رحمة. ورغم ذلك مازال الكثيرون يتشدقون بعظمة ذلك الغريب الذى انتزع الحكم من أبناء البلد، واحتفظ بملكية الأرض لنفسه، ثم وزعها على محاسيبه وخدمه، ثم ورث الحكم لأبنائه من بعده. أين هذا مما فعله عبدالناصر؟ نعم كانت له أخطاؤه، وجل من لا يخطئ، ولكننا لا يمكن أن ننكر أن ثورة يوليو كانت أكثر ثورات العالم سلمية، وأنها تعاملت مع الملك فاروق برقى نادر فى الثورات، ولنتذكر ما فعلته الثورة الفرنسية التى وضعت رقاب الأسرة المالكة كها، بما فيها الأطفال، تحت المقصلة، والثورة البلشفية التى أطلقت على أسرة القيصر كلها الرصاص، بينما كانوا ينتظرون ترحيلهم خارج البلاد. والأمثلة كثيرة نذكر بها الذين جعلوا من ثورة يوليو لوحة تنشين يظهرون عليها مهارتهم فى تصويب الادعاءات وتعديد الأخطاء.
أما المرأة المصرية فهى خارج دائرة الانتقام غير المبررة من ثورة يوليو، فقد منحتها الثورة صك العتق من أسر التخلف والتبعية، وحطمت الأغلال التى كانت تطوق عنقها باسم ادعاءات مضللة. وإلى المتباكين على الأسرة التركية المسكينة التى انتُزع منها الحكم وجُردت من أملاكها التى لم تتعب ولم تشق لتكسبها، بل ورثتها عن غير حق، أذكر بعض ما قدمته الثورة للمرأة المصرية.
فى «العهد الذهبى»، وبعد ثورة عظيمة طالبت السيدة هدى شعراوى أثناء كتابة دستور 1923 بإدراج حقوق المرأة السياسية ولم يستجب لطلبها سياسى واحد. وعهد «المفترى عليه الملك فاروق» طالبته السيدة درية شفيق بإصدار قانون بمنح المرأة المصرية حقوقها السياسية، وعندما التقى فى نادى الصيد بزوجها قال له: قل لزوجتك إن هذا لن يحدث طول ما نا عايش فى الدنيا. أما زعيم حزب الوفد مصطفى النحاس فقد أمر باعتقال درية شفيق وتحويلها للمحاكمة، لأنها أصرت على لقائه. فماذا فعلت ثورة يوليو؟ أعلنت المساواة بين كل أبناء الشعب، وألغت الألقاب التى كانت تميز «الارستقراطية»، فهذا بك وهذا باشا وذاك «سمو الأمير» وتلك «ربة العفاف»... وفى دستور الثورة الجديد 56 مهدت للتغيرات الجذرية التى أحدثتها الثورة فى المجتمع المصرى وفى حياة المواطن المصرى، وبالذات المرأة المصرية. اعترف الدستور لأول مرة فى تاريخ مصر بحقوقها السياسية، وفى أول انتخابات بعد صدوره فازت السيدتان راوية عطية (القاهرة) وأمينة شكرى (الإسكندرية) بعضوية مجلس الأمة، ومازال تمثيل المرأة للشعب المصرى مستمرا حتى يومنا هذا. وفى قوانين العمل منحت الثورة المرأة المصرية حقوقا لم تكن تحلم بها من قبل، فساوت بينها وبين زميلها فى الأجر وفرص التدريب والترقى والحصول على كل المناصب، وأضافت امتيازات أخرى لها بصفتها راعية الأسرة والطفل.
من الذى ينكر أن أفضال ثورة يوليو امتدت خارج حدود مصر إلى نساء كل الدول العربية والأفريقية، فقطفن ثمارها وسبقن نساء الدول المتحضرة وحصلن فى دولهن على مناصب كانت محرمة عليهن مثل الوزيرة والسفيرة... إلخ.
لقد كانت ثورة يوليو وستظل نقطة مضيئة فى تاريخ مصر، ولا يحاول أن يطفئها سوى أعداء الشعب خاصة، واليوم بالذات لا يليق بنا أن تنسى أفضال ثورة 23 يوليو على المرأة العربية التى تعصف بها موجة عاتية من الأفكار المتخلفة، ولا يمكن أن نتجاهل فضل جمال عبدالناصر، زعيم مصر وكل العرب طوال الخمسينيات والستينيات، علينا، بينما ديماجوجيات غوغائية تنعق من الفضائيات العربية، مطالبة كل الشعب بالتراجع إلى عصور الظلام.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع