بقلم - كريمة أبو العينين
كلما التقيته أجد نفس الابتسامة مرسومة على وجهه وكأنها نحتت على شفتيه وكأن فمه لا يعرف غيرها. سنين طوال أداوم فيهم على الاحتفاظ بصداقته مهما تباعدت فترات لقائنا، ومهما كانت الأزمات التي يمر بها، إلا أنه لا ينسى أبدا أن يواظب على التبسم والابتسام وكأنه يقول لنا لا تنزعجوا مما ألم بى فأنا راض وسعيد.. ومنذ فترة ليست بالبعيدة فتحت هاتفى وجدت رسالة منه يطلب فيها أن يرانى في أقرب فرصة إن لم يكن الآن، ومع هذه الرسالة أرسل وجه يتبسم. حاولت أن أهاتفه وقتها ولكن لم يرد ولا أدرى السبب، وعندما حل الصباح ذهبت إليه في منزله الذي لم يغادره منذ أيام الشباب في حى الجمالية في بيت عتيق موروث من أبيه لجده. صعدت درجات سلالم تئن من كثرة الأقدام وقسوتها حتى وصلت إلى شقته التي احتفظ بمفتاحها منذ أيام الجامعة، ودخلت عليه ووجدت كل شىء كما هو منذ لقاءاتنا الكثيرة التي لم تنقطع طوال فترة وجوده في بلده وبلدى مصر ..على سرير متهالك جلس هو وأفزعنى ما بدا عليه من وهن ووجه شاحب إلا أن الابتسامة تسكن على شفتيه كما هي وكأنها ترفض الاعتراف بمرضه وتؤكد له ولنا أنها لن تفارقه أبدا وستظل معه حتى إن فارقته عافيته. لم أسأله عما أصابه وأخفيت فزعى بل إننى أكدت له أنه في أبهى صوره وأحسن أحواله، ولم يجادلنى ولم يعقب ولكنه طلب منى أن أستمع لما سيقوله لى وقد كان.. الكل كان يسأل عن سر ابتسامتى وأنا سأحكى لك هذا السر ولكنى قبلها سأسألك هل تعرف قصة هدهد سليمان؟ ولم ينتظر صديقى إجابتى بل استكمل حكايته وقال أنا هدهد سليمان، فقد كنت كما تعلم من أعظم علماء الجولوجيا والكل كان يدور في فلكى ويشهد لى بالمستقبل الباهر وكانت أحلامى هي جناحا عمرى ومجداف عزائمى، كنت أخطط لحياة جميلة وعالم اخترقه اختراقا وشهادات أسطر فيها المزيد من النجاحات وسفريات أجوب بها العالم وأجبره جبرا على معرفة جنسيتى والتغنى معى بنشيد بلدى والانحناء فخرا أمام علم مصر، كل هذا الأمل وهذه الآمال كانت هي كل مالدى ولم يكن قلبى يحمل سوى الحب للبشرية كلها، ولكن رياح نجاحى ارتطمت بكراهية شياطين الإنس وكبيرهم رئيسى في العمل الذي شعر أن نجاحى سيعطل سعيه نحو التملق والحصول على مزيد من درجات سلم النفاق الوظيفى، فدبر لى وخطط بليل وجعل منى هدهد سليمان.. وتوقف عن الحديث ونفس الابتسامة لا تزال ترافق وجهه وقال وهو يبكى: يقال إن سيدنا سليمان عليه السلام كان لديه هدهد شقى لا يمتثل لأوامره ويفعل عكس مايأمره، وفى يوم فاض الكيل بنبينا سليمان فقال لهدهده: إن لم تمتثل لأوامرى لأفعلن فيك مامصابه يفوق الموت.. فتعجب قوم سليمان وسألوه ماذا بعد الموت؟ وهل هناك أكثر من أن تذبحه فيموت؟ فرد سليمان وقال نعم أضعه وسط قوم لا يعرفون قيمته.
وأنهى صديقى كلامه وانتهت حياته وابتسامته على وجهه ترفض أن تتركه حيا وميتا.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع