بقلم: مشاري الذايدي
هلّ هلال رمضان، أعاده الله عليكم بيمن وعز وصحة وخير، رغم كل دخان الحرائق ولهيب الحروب، وغصص الفوضى، ووخز إبر الفتن.
خطر ببالي أن نتذكر هنا، بهذه الأيام المباركات، طرفاً من عبر التاريخ، ولتكن سلسلة رمضانية قدر الطاقة.
اليوم يحضر الدور التركي العثماني المثير، مرة أخرى، مع السلطان رجب إردوغان، في مشارق العرب ومغاربها، كما حضر مع جيل الأجداد وأجداد الأجداد وهلمَّ جرّا.
مؤسس الدولة السعودية وناسج حلمها، عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، له ملاحم كبرى، منها ملحمته في طرد الدور التركي الضارّ، ومن هذه الملحمة، أنشر سطوراً من صفحة واحدة فقط هنا.
معركة البكيرية، يوليو (تموز) 1904 أو ملحمة البكيرية، شمال وسط البلاد، وقعت بين جيش الملك عبد العزيز وخصومه، الذين استعانوا بالقوات العثمانية الجرّارة.
كانت معركة هائلة، تفوق فيه العثمانيون بالمدفعية والطوابير العسكرية المنظمة، ولذلك كانت خسائر الأرواح فادحة.
يذكر المؤرخ السعودي فهد المارك في كتابه «شيم العرب» إنه كان بمكتب الملك خالد بن عبد العزيز وهو ولي للعهد حينها يونيو (حزيران) 1975، وتحدثا عن معركة البكيرية، وقال الملك خالد إن الذين قتلوا فقط من أهل الرياض 800، بينما يذكر أمين الريحاني الذي زار الملك عبد العزيز وكتب عنه إن عدد قتلى جيش الملك بلغ 900 منهم 650 من أهل «العارض»، أي الإقليم الذي تقع به الرياض. وفي الطرف الآخر، وفي الطوابير العثمانية فقط القتلى ألف رجل.
وهي من أكبر معارك الجزيرة العربية التي قادت لاحقاً لملحمة التوحيد السعودي، بعد وقت مديد، وكان الدور العثماني بالجزيرة العربية مدمراً ومعطلاً، أدرك ذلك المؤسس عبد العزيز فعمل على إنهاء هذا الدور، عسكرياً وسياسياً وثقافياً، في القصيم والأحساء وغيرهما من ربوع البلاد.
كان الأهالي يأنفون من أي تدخل تركي، ولو تحت عمامة الخلافة، ولذلك قيلت قصائد ودبّجت خطب، وصدرت فتاوى، مندّدة بهذا الحضور العثماني ومن يتعاون معه.
حول هذه المعركة وأجواء المواجهة السعودية مع الغزو التركي، قال شاعر حضر هذه المعركة، شاعر الحماسة الشهير محمد العوني، من قصيدة مطولة له:
والترك لاقتهم موارث حنيفة – ما خايروا يوم إن بعض العرب خار
عنوي هل العوجا تعداهم اللوم - أركو جموع الحضر والبدو والروم
يوم أكمل القصدير في تالي اليوم - استعصموا بحدود عطبات الأذكار
خلاصة معنى الأبيات السالفة أن الترك حين واجهوا أحفاد بني حنيفة وسكان واديهم، انهاروا، وكان أبطال «العارض» عازمين، لم يترددوا كغيرهم، ثم حدّد من يقصدهم بقوله، أنا أعني أهل «العوجا» وهي صيحة الفخر لدى «عصبة» عبد العزيز، وأنهم هزموا الجميع، وحين انصبَّ الرصاص عليهم، لاذوا بسيوفهم المرهفة.
ولنا لقاء آخر.